للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شرعيةً يتصرف بها فيما أمر الله ورسوله () (١) ويترك ما نهى الله تعالى عنه ورسوله ؛ فهذه الأحوال مواهب من الله تعالى، وكرامات للصالحين من هذه الأمة، ولا يسمى هذا سحرًا في الشرع.

وتارة تكون الحال فاسدة لا يمتثل صاحبها ما أمر الله ورسوله () (١)، ولا يتصرف بها في ذلك، فهذه حال الأشقياء المخالفين للشريعة، ولا يدل إعطاء الله إياهم هذه الأحوال على محبته لهم، كما أن الدجال (لعنه الله) (٢) له من الخوارق للعادات ما دلت عليه الأحاديث الكثيرة، مع أنه مذموم شرعًا لعنه الله.

وكذلك من شابهه من مخالفي الشريعة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

وبسط هذا يطول جدًّا، وليس هذا موضعه.

قال: والنوع الثالث من السحر: الاستعانة بالأرواح الأرضية، وهم الجن خلافًا للفلاسفة والمعتزلة؛ وهم على قسمين: مؤمنون، وكفار وهم الشياطين.

قال: واتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية، لما بينهما من المناسبة والقرب، ثم إن أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا أن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى (والدخن) (٣) والتجريد، وهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل (تسخير) (٤).

النوع الرابع من السحر: التخيلات، والأخذ بالعيون والشعبذة؛ ومبناه على أن البصر قد (يخطئ) (٥) ويشتغل بالشيء المعين دون غيره، ألا ترى ذا الشعبذة الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به، ويأخذ عيونهم إليه، حتى إذا استفرغهم الشغل بذلك الشيء بالتحديق نحوه عمل شيئًا آخر عملًا بسرعة شديدة؛ وحينئذٍ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه؛ فيتعجبون منه جدًّا، ولو أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمله، ولم تتحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه، لفطن الناظرون لكل ما يفعله.

قال: وكلما كانت الأحوال التي تفيد حسن البصر نوعًا من أنواع الخلل أشد كان العلم أحسن؛ مثل أن يجلس المشعبذ في موضع مضيء جدًّا، أو مظلم، فلا تقف القوة (الباصرة) (٦) على أحوالها (بكلالها) (٧) والحالة هذه.

قلت: وقد قال بعض المفسرين: إن سحر السحرة بين يدي فرعون إنما كان من باب الشعبذة، ولهذا قال تعالى: ﴿قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦)[الأعراف: ١١٦] وقال تعالى: ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦)[طه: ٦٦] قالوا: ولم تكن تسعى في نفس الأمر. والله أعلم.

النوع الخامس من السحر: الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة من النسب


(١) من (ز) و (ن).
(٢) ساقط من (ن).
(٣) في (ز) و (ن): "الدخل".
(٤) في (ز): "التسخير".
(٥) في (ج) و (ل): "غطى"!
(٦) في (ز) و (ن): "الناظرة".
(٧) ساقط من (ن)؛ وفي (ل): "لكلالها"؛ وفي (ك): "بكمالها".