للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا الإنتاج التفسيري انتشر في البلدان وازدانت به المراكز العلمية ففتح آفاقًا عظيمة في القرنين: الثاني والثالث الهجري فظهرت تفاسير نفيسة أفادت ممن تقدم ذكرهم كتفسير ابن أبي شيبة وسُنيد ومحمد بن يوسف الفريابي والإمام أحمد بن حنبل وأبي جعفر الرازي وآدم بن أبي إياس العسقلاني وعبد الرزاق بن همام الصنعاني. ثم ظهرت كتب في أحكام القرآن منها ما هو مسند للإمام الجهضمي وعنوانه "أحكام القرآن" (١)، وفي علوم القرآن كتاب "فهم القرآن" (٢) للمحاسبي وهو أول كتاب "صنف في علوم القرآن"، تلا ذلك تفسير عبد بن حميد (٣) ثم تفسير الطبري.

وظهرت كتب مسندة مساعدة لعلم التفسير مثل كتاب "أسباب النزول" لعلي بن المديني، و"الناسخ والمنسوخ" للقاسم بن سلام (٤)، وأحمد بن حنبل وأبي داود (٥).

وفي بداية هذا القرن الثالث الهجري كان الفراء يملي كتاب "معاني القرآن" من حفظه كما صرح الراوي لهذا الكتاب واسمه أبو عبد الله محمد بن الجهم بن هارون السَّمري إذ قال: هذا الكتاب فيه معاني القرآن، أملاه علينا أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء يرحمه الله عن حفظه من غير نسخة، في مجالسه أول النهار من أيام الثلاثاوات وبالجُمع من شهر رمضان، وما بعده من سنة اثنتين، وفي شهور سنة ثلاث، وشهور من سنة أربع ومائتين (٦).

ودخل التفسير في هذا القرن في طور جديد من حيث الموسوعية فإن الإمام الطبري لم يدع كلمة إلا وبينها، وقد نافت عدد رواياته على الستين ألف، وأما تفسير الإمام أحمد فبلغت رواياته مائة وعشرين ألف (٧)، وتفسير بقي بن مخلد (ت ٢٧٦ هـ) الذي يقع في سبعين جزء (٨)، وبلغت عدد مرويات عبد بن حميد في تفسيره أكثر من ثلاثة آلاف في "الدر المنثور" فقط، وقد جعلت تفسير الطبري في هذا القرن مع أن وفاته كانت سنة (٣١٠ هـ) لأنه أملى تفسيره في سنة (٢٨٣ هـ) إلى سنة (٢٩٠ هـ)؛ أي: مكث سبع سنوات في إملاء التفسير، وكان ذلك في بغداد كما نقل المؤرخون، ومنهم ياقوت الحموي الذي حبر ترجمة حافلة شاملة وافية للإمام الطبري.

إضافة إلى هذه التفاسير النفيسة فقد ظهرت كتب الحديث الشريف التي تبوب كتاب "التفسير" مثل: الصحيحين وسنن الترمذي والسنن الكبرى للنسائي وسنن سعيد بن منصور ومصنف ابن أبي شيبة (٩).

كما ظهر في هذا القرن أول مصنف يعتني ببيان مشكل القرآن إذ صنف ابن قتيبة (ت ٢٧٦ هـ)،


(١) عندي منه قطعة مخطوطة مصورة من مكتبة جامع الزيتونة وقد أعطيتها لفضيلة أ. د. عامر حسن صبري لتحقيقها وقام بذلك على أحسن وجه، جزاه الله خيرًا.
(٢) مطبوع.
(٣) توجد قطعة منه في حاشية تفسير ابن أبي حاتم وقد حققت وطبعت.
(٤) مطبوع.
(٥) وكلا الكتابين مفقود.
(٦) "معاني القرآن الكريم" (ص ١).
(٧) ينظر تفصيل ذلك في "مقدمة مرويات الإمام أحمد بن حنبل في التفسير".
(٨) "جذوة المقتبس" (ص ٣٥١).
(٩) كلها مطبوعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>