للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على الدنيا وجَمْعِها، واشتغالِهم بغيرِ ما أُمروا به من اتِّباع كتاب الله.

فعلينا أيُّها المسلمُون أنْ ننتهيَ عمَّا ذمَّهُمُ الله تعالى بِهِ، وأَنْ نَأْتِمرَ بما (أَمَرَنَا اللهُ به) (١) من تعلُّم كتابِ الله المنَزَّلِ إلينا وتعليمِهِ، وتفهُّمِه وتفهيمه؛ قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧﴾ [الحديد] ففي ذِكْره -تعالى- لهذه الآية بعدَ الَّتي قبلَهَا تنبيهٌ على أنَّه -تعالى- كما يُحْيي الأرضَ بعدَ مَوتها كذلك يُليِّنُ القلوبَ بالإِيمانِ والهُدَى بعد قَسْوتها من الذنوب والمعاصي؛ والله المؤَمَّلُ المسؤولُ أنْ يفعل بِنَا (ذلك) (٢)، إنه جوادٌ كريمٌ.

فإنْ قَالَ قائلٌ: فَمَا أَحْسَنُ طرقِ التَّفسيرِ؟

فالجوابُ: أَنَّ أصحَّ (الطُّرُقِ) (٣) في ذَلِكَ أن يفسَّرَ القرآنُ بالقرآنِ، فما أُجْمِلَ في مكانٍ فَإِنَّه قد (فُسِّرَ) (٤) في مَوْضعٍ آخرَ. (وما اختصر في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر) (٥) فإنْ أعياكَ ذلك فَعَليْكَ بالسُّنَّةِ، فإنَّها شارحةٌ للقرآنِ وموضِّحَةٌ له؛ بل قد قال الإمامُ أبو عبدِ الله محمد بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعيُّ رحمهُ اللهُ تعالى: كُلُّ ما حكمَ به رَسُولُ الله فهو مما فَهِمه مِنَ القرآنِ؛ قَالَ اللهُ تَعالَى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (١٠٥)[النساء]. وقال تعالى: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤)[النحل]. وقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤].

ولهذا قال رسولُ الله : "أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرْآنَ ومِثْلَه مَعَهُ" (٦)؛ يعني: السنَّة.


(١) في (ز) و (ن) و (ى): "أمرنا به" لما لم يسم فاعله.
(٢) في (ن): "هذا".
(٣) في (ن): "الطريق".
(٤) في (ن) و (ى): "بِسط".
(٥) ساقط من (ك) و (ن) و (ز).
(٦) حديث صحيح.
أخرجه أبو داود (٤٦٠٤) واللفظ له، وأحمد (٤/ ١٣١)؛ وابن حبان (١٢)؛ والطبراني في "الكبير" (ج ٢٠/ رقم ٦٦٩، ٦٧٠)، وفي "مسند الشاميين" (١٠٦١)؛ والطحاوي في "شرح المعاني" (٤/ ٢٠٩)؛ والآجري في "الشريعة" (٥١)؛ والبيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ٣٣٢)؛ وفي "الدلائل" (٦/ ٥٤٩)؛ وابن عبد البر في "التمهيد" (١/ ١٥٠) من طريقين عن عبد الرحمن بن أبي عوف الحمصي، عن المقدام بن معدي كرب مرفوعًا: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه". وهو عند بعضهم مختصر.
وأخرج ابن عدي في "الكامل" (٢/ ٨٥٨) الفقرة الأخيرة منه. وسنده جيد. وله طريق آخر.
أخرجه الترمذي (٢٦٦٤)؛ وابن ماجه (١٢)؛ والدارمي (١/ ١٤٤)؛ وأحمد (٤/ ١٣٢)؛ والطحاوي (٤/ ٢٠٩)؛ والحاكم (١/ ١٩٠)؛ والطبراني (ج ٢٠/ رقم ٦٤٩)؛ وابن عبد البر في "الجامع" (١/ ١٠٩)؛ والبيهقي (٧/ ٧٦)، و (٩/ ٣٣١) من طرق عن معاوية بن صالح، عن الحسن بن جابر، عن المقدام بنَ معدي كرب مرفوعًا نحوه.