للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال قتادة (١): ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ﴾ قال: (بلى) (٢). قد كانت أوائل النصارى على شيء، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا. ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ﴾ قال: بلى؛ قد كانت أوائل اليهود على شيء، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا.

وعنه رواية أخرى؛ كقول أبي العالية (٣)، والربيع بن أنس (٤)، في تفسير هذه الآية: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ﴾ هؤلاء أهل الكتاب الذين كانوا على عهد رسول الله .

وهذا القول يقتضي أن كلًا من الطائفتين صدقت فيما رمت به الطائفة الأخرى؛ ولكن ظاهر سياق الآية يقتضي ذمهم فيما قالوه مع علمهم بخلاف ذلك؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾ أي: وهم يعلمون أن شريعة التوراة والإنجيل كل منهما قد كانت مشروعةً في وقت، (ولكن) (٥) تجاحدوا فيما بينهم (عنادًا وكفرًا) (٦)، ومقابلةً للفاسد بالفاسد؛ كما تقدم عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة في الرواية الأولى عنه في تفسيرها. والله أعلم.

وقوله: ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ بين بهذا جهل اليهود والنصارى فيما تقابلوا به من القول؛ وهذا من باب الإيماء والإشارة.

وقد اختلف فيمن عني بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ فقال الربيع بن أنس (٧)، وقتادة (١): ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ قالا: وقالت النصارى مثل قول اليهود وقيلهم.

وقال ابن جريج (٨): قلت لعطاء: من هؤلاء الذين لا يعلمون؟ قال: أمم كانت قبل اليهود والنصارى، وقبل التوراة والإنجيل.

وقال السدي (٩): ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ فهم العرب؛ قالوا: ليس محمد على شيء.

واختار أبو جعفر بن جرير (١٠) أنها عامة تصلح للجميع، وليس ثم دليل قاطع يعين واحدًا من هذه الأقوال، (فالحمل) (١١) على الجميع أولى. والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ أي: إنه تعالى (يجمع) (١٢) بينهم يوم المعاد، ويفصل بينهم بقضائه العدل الذي لا يجور فيه، ولا يظلم مثقال الذرة.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم (١١١١) من طريق يونس بن محمد، ثنا شيبان النحوي عن قتادة، وأخرجه ابن جرير (١٨١٣) من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة. وكلاهما صحيح.
(٢) في (ج) و (ل): "بل".
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١١١٢). [وسنده جيد]
(٤) أخرجه ابن جرير (١٨١٢). [وأخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد].
(٥) في (ن): "ولكنهم".
(٦) في (ل): "كفرًا وعنادًا".
(٧) أخرج الأثرين معًا: ابن جرير (١٨١٦، ١٨١٧). [وسنده صحيح] وأخرج ابن أبي حاتم (١١١٦) أثر أبي العالية. [وسنده جيد].
(٨) أخرجه ابن جرير (١٨١٨). [وأخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن].
(٩) أخرجه ابن جرير (١٨١٩) قال: حدثني موسى بن هارون؛ وابن أبي حاتم (١١١٤).
قال: حدثنا أبو زرعة قالا: ثنا عمرو بن حماد بن طلحة، ثنا أسباط، عن السدي. [وسنده حسن]
(١٠) في "تفسيره" (٢/ ٥١٧، ٥١٨).
(١١) في (ن) "والحمل".
(١٢) في (ل): "يحكم".