للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تمكِّنوا هؤلاء، إذا قدرتم عليهم، من دخولها إلا تحت الهدنة والجزية؛ ولهذا لما فتح رسول الله مكة أمر من العام القابل في سنة تسع أن ينادى برحاب منى: "ألا لا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، ومن كان له أجل فأجله إلى مدته" (١).

وهذا كان تصديقًا وعملًا بقوله (تعالى) (٢): ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨].

وقال بعضهم: ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين على حال التهيب وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم، فضلًا عن أن يستولوا عليها، (و) (٣) يمنعوا المؤمنين منها.

والمعنى: ما كان الحق والواجب إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وغيرهم.

وقيل: إن هذا بشارة من الله للمسلمين أنه سيظهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد، وأنه يذل المشركين لهم حتى لا يدخل المسجد الحرام أحد منهم إلا خائفًا، يخاف أن يؤخذ فيعاقب أو يقتل إن لم يسلم.

وقد أنجز الله هذا الوعد كما تقدم من منع المشركين من دخول (الحرم) (٤) وأوصى رسول الله (٥) أن لا يبقى بجزيرة العرب دينان، وأن يجلى اليهود والنصارى منها. ولله الحمد والمنة.

وما ذاك إلا (لتشريف) (٦) أكناف المسجد الحرام، وتطهير البقعة التي بعث الله فيها رسوله إلى الناس كافةً بشيرًا ونذيرًا، صلوات الله (وسلامه) (٧) عليه. وهذا هو الخزي لهم في الدنيا؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فكما صدوا المؤمنين عن المسجد الحرام صدوا عنه، وكما أجلوهم من مكة أُجْلوا عنها.

﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ على ما انتهكوا من حرمة البيت وامتهنوه من نصب الأصنام حوله، (والدعاء إلى) (٨) غير الله عنده، والطواف به عربًا، وغير ذلك من أفاعيلهم التي يكرهها الله ورسوله.

وأما من فسره (ببيت) (٩) المقدس؛ فقال كعب الأحبار (١٠): إن النصارى لما ظهروا على بيت


(١) أخرجه الترمذي (٨٧١، ٨٧٢، ٣٠٩٢).
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"؛ وقال الدارقطني في "العلل" (٣/ ١٦٤): "وهو المحفوظ" وقد رواه عن أبي إسحاق السبيعي: "سفيان الثوري، ومعمر بن راشد، وزهير بن معاوية، وزكريا بن أبي زائدة، ويونس بن أبي إسحاق، وغيرهم". ورواه من الصحابة: أبو هريرة وابن عباس ، وحديث أبي هريرة في "الصحيحين" مختصر عما أورده المصنف.
(٢) ساقط من (ج) و (ل).
(٣) في (ز) و (ض): "أو".
(٤) في (ز) و (ن): "المسجد الحرام".
(٥) أخرجه مسلم (١٧٦٧/ ١٦٣).
(٦) في (ز) و (ك): "تشريف".
(٧) ساقط من (ج) و (ز) و (ض).
(٨) في (ن): "ودعاء".
(٩) في (ز): "بيت".
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (١١٢٢) قال: حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا موسى بن إبراهيم المعلم أبو علي=