للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابْن عباس: ﴿وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ قال: إذا كان مصليًا فهو من الركع السجود. وكذا قال عطاء (١) وقتادة (٢).

وقال ابن جرير (٣) : فمعنى الآية: وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطائفين. والتطهير الذي أمرهما به في البيت هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشرك. ثم أورد سؤالًا فقال: فإن قيل: فهل كان قبل بناء إبراهيم عند البيت شيء من ذلك الذي أمر بتطهيره منه؟ وأجاب بوجهين:

أحدهما: أنه أمرهما بتطهيره مما (كان) (٤) يعبد عنده زمان قوم نوح من الأصنام والأوثان، ليكون ذلك سنة لمن بعدهما، (إذ كان) (٥) الله تعالى قد جعل إبراهيم إمامًا يقتدى به، كما قال عبد الرحمن بن زيد: ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾ قال: من الأصنام التي يعبدون، التي كان المشركون يعظمونها.

قلت: وهذا الجواب مفرع على أنه كان يعبد عنده أصنام قبل إبراهيم ، ويحتاج إثبات هذا إلى دليل عن المعصوم (محمد ) (٦).

الجواب الثاني: أنه أمرهما أن يخلصا (في) (٧) بنائه للّه وحده لا شريك له، فيبنياه مطهرًا من الشرك والريب، كما قال جل ثناؤه: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ﴾ [التوبة: ١٠٩] قال: فكذلك قوله: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾ [على طهر من الشرك بي والريب، كما قال السدي: ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾ ابنيا بيتي للطائفين] (٨).

وملخص هذا الجواب: أن الله تعالى أمر إبراهيم وإسماعيل ، أن يبنيا الكعبة على اسمه وحده لا شريك له، للطائفين به والعاكفين عنده، والمصلين إليه من الركع السجود، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦)[الحج: ٢٦].

[وقد اختلف الفقهاء: أيما أفضل، الصلاة عند البيت أو الطواف؟ فقال مالك: الطواف به لأهل الأمصار أفضل من الصلاة عنده، وقال الجمهور: الصلاة أفضل مطلقًا، وتوجيه كل منهما يذكر في "كتاب الأحكام"] (٩).

والمراد من ذلك الرد على المشركين الذين كانوا يشركون باللّه عند بيته، المؤسس على عبادته وحده لا شريك له، ثم مع ذلك يصدون أهله المؤمنين عنه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا


(١) أخرجه ابن جرير (٢٠٢٤) قال: حَدَّثَنَا أبو كريب، ثنا وكيع، عن أبي بكر الهذلي عن عطاء. وسنده كسابقه.
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٠٢٥) وسنده صحيح.
(٣) في "تفسيره" (٣/ ٣٨، ٣٩).
(٤) ساقط من (ز) و (ض).
(٥) كذا في (ز) و (ك) وهو الموافق لما عند "ابن جرير".
(٦) من (ز) و (ض) و (ن) و (ى) والصلاة والتسليم من (ز) و (ض).
(٧) ساقط من (ز) و (ض).
(٨) ساقط من (ك).
(٩) ساقط من (ز) و (ض) و (ى).