للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٥)[الحج: ٢٥].

ثم ذكر أن البيت إنما أسس لمن يعبد الله وحده لا شريك له، إما بطواف أو صلاة، فذكر في سورة الحج أجزاءها الثلاثة: قيامها، وركوعها؛ وسجودها، ولم يذكر العاكفين لأنَّهُ تقدم ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ وفي هذه الآية الكريمة ذكر الطائفين والعاكفين، واجتزأ بذكر الركوع والسجود عن القيام؛ لأنَّهُ قد علم أنه لا يكون ركوع ولا سجود إلا بعد قيام. وفي ذلك - أيضًا - رد على من لا يحجه من أهل الكتابين: اليهود والنصارى؛ لأنهم يعتقدون فضيلة إبراهيم الخليل وعظمته، ويعلمون أنه بنى هذا البيت للطواف في الحج والعمرة، وغير ذلك، وللاعتكاف والصلاة عنده، وهم لا يفعلون شيئًا من ذلك، فكيف (يكونون) (١) (مقتدين) (٢) بالخليل، وهم لا يفعلون ما شرع الله له! وقد حج البيت موسى بن عمران وغيره من الأنبياء ، كما أخبر بذلك المعصوم (٣)، الذي لا ينطق عن الهوي ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)[النجم: ٤].

وتقدير الكلام إذن: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ﴾ [أي: تقدمنا بوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل] (٤) ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ أي: طهراه من الشرك والريب، وابنياه خالصًا لله، معقلًا للطائفين والعاكفين والركع السجود. وتطهير المساجد مأخوذ من هذه الآية، ومن قوله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦)[النور] ومن السنة من أحاديث كثيرة، من الأمر بتطهيرها وتطييبها (٥) وغير ذلك، من صيانتها من الأذى (والنجاسات) (٦) وما أشبه ذلك. ولهذا قال (٧): "إنما بنيت المساجد لما بنيت له". وقد جمعت في ذلك جزءًا على حدة، ولله الحمد والمنة.

[وقد اختلف الناس في أول من بنى الكعبة، فقيل: الملائكة قبل آدم، وروى هذا عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين، ذكره القرطبي (٨) وَحُكِىَ لفظه، وفيه غرابة، وقيل:] (٩)


(١) في (ل): "يكون".
(٢) في (ج): "مقتدون".
(٣) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان (١٦٥/ ٢٦٨).
تنبيهٌ: الجؤار: هو رفع الصوت. ووادي الأزرق: هو واد في الحجاز قريب من مكة. وهرشى: هي ثنية بين مكة والمدينة، ويقال: هي قريبة من الجحفة.
(٤) ساقط من (ز) و (ض) و (ى).
(٥) أما الأمر بتطهير المساجد ففيه نصوص شهيرة معروفة. وأما الأمر بتطييبها ففيه أحاديث منها ما أخرجه أبو داود (٤٧٩)؛ وابن خزيمة (٢/ ٢٧٠) بسند صحيح عن ابن عمر قال: بينما رسول الله يخطب يومًا إذ رأى نخامةً في قبلة المسجد، فتغيظ على الناس، ثم حكَّها. قال: وأحسبه قال: فدعا بزعفران فلطخه به وقال: "إن الله قبل وجه أحدكم إذا صلى، فلا يبزق بين يديه".
(٦) في (ل): "النجاسة".
(٧) أخرجه مسلم (٨٠/ ٥٦٩).
(٨) في "تفسيره" (٢/ ١٢٠)، ولفظه: "وروى عن جعفر بن محمد قال: سئل أبي، وأنا حاضر، عن بدء خلق البيت، فقال: "إن الله لما قال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠] قالت الملائكة: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة: ٣٠] فغضب عليهم، فعاذوا بعرشه وطافوا حوله سبعة أشواط يسترضون ربهم حتَّى ، وقال لهم: ابنوا لي بيتًا في الأرض يتعوذ به من سخطت عليه من بني آدم، ويطوف حوله كما طفتم حول عرشي فارضي عنه كما رض عنكم، فبنوا هذا البيت". وهذا سياق غريب جدًّا، وكثير مما ينسب إلى أبي جعفر الباقر لا يثبت عنه.
(٩) ساقط من (ز) و (ض) و (ى).