للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الذي علقه البخاري (١) رواه الإمام أبو عبد الله بن ماجة، عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن الحسن بن مسلم بن يناق، عن صفية بنت شيبة، قالت: سمعت النَّبِيّ يخطب عام الفتح، فقال: "يا أيها الناس، إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها، ولا يأخذ لقطتها إلا منشد". فقال العباس: إلا الإذخر؛ فإنه للبيوت والقبور. فقال رسول الله : "إلا الإذخر".

وعن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد - وهو يبعث البعوث إلى مكة -: ائذن لي - أيها الأمير - أن أحدثك قولًا قام به رسول الله الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به، إنه حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، ولا يضعد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله ، فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم. وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب". فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصيًا، ولا فارًا بدم، ولا فارًا بخربة.

رواه البخاري (٢) ومسلم، وهذا لفظه.

فإذا علم هذا فلا منافاة بين هذه الأحاديث الدالة على أن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، وبين الأحاديث الدالة على أن إبراهيم ، حرمها؛ لأن إبراهيم بلَّغ عن الله حكمه فيها وتحريمه إياها، وأنها لم تزل بلدًا حرامًا عند الله قبل بناء إبراهيم ، لها، كما أنه قد كان رسول الله مكتوبًا عند الله خاتم النبيين، وإن آدم لمنجَدلٌ في طينته (٣)، ومع هذا قال إبراهيم : ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٢٩] الآية. وقد أجاب الله دعاءه بما سبق في علمه وقدره. ولهذا جاء في الحديث (٤) أنهم قالوا: يا رسول الله، أخبرنا عن بدء أمرك. فقال: "دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى ابن مريم، ورأت أمي (كأنه) (٥) خرج منها نور أضاءت له قصور الشام".

أي: أخبرنا عن بدء ظهور أمرك. كما سيأتي قريبًا، إن شاء الله.


(١) وصله البخاري في "التاريخ الكبير" (١/ ١/ ٤٥١، ٤٥٢) قال: قال لي عبيد بن يعيش، حَدَّثَنَا يونس بن بكير، أخبرنا محمد بن إسحاق قال: حدثني أبان بن صالح بسنده سواء؛ وأخرجه الطحاوي في "المشكل" (٣١٤٣) قال: حَدَّثَنَا محمد بن علي بن داود، ثنا عبيد بن يعيش بهذا الإسناد؛ وأخرجه ابن ماجة (٣١٠٩) قال: حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا يونس بن بكير بسنده سواء. وإسناده حسن.
(٢) أخرجه البخاري في "جزاء الصيد" (٤/ ٤١ - صحيحه)؛ ومسلم (١٣٥٤/ ٤٤٦).
(٣) لا يثبت الحديث بهذا اللفظ.
[وله شاهد]. أخرجه ابن أبي عاصم في [الآحاد والمثانى] (٢٩١٨)؛ وفي "السنة" (٤١١) قال: حَدَّثَنَا هدبة. قال الحافظ في "الإصابة" (٦/ ٢٤٠): "إسناده صحيح" وكذلك قال شيخنا الألباني في "ظلال الجنة".
(٤) وهو حديث حسن.
(٥) في (ل): "كأنها".