للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورواه ابن ماجه عن (أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون، ورواه الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون، وعبد الملك بن عمرو وشريح، عن نافع، عن ابن عمر به) (١).

وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾. يقول تعالى: إنما شرعنا لك يا محمد التوجُّه أولًا إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنه إلى الكعبة، ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبيه؛ أي: مرتدًا عن دينه.

﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً﴾ أي: هذه الفعلة وهو: صرف التوجُّه عن بيت المقدس إلى الكعبة، أي: وإن كان هذا لأمرًا عظيمًا في النفوس إلا على الذين هدى الله قلوبهم، وأيقنوا بتصديق الرسول، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه، وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. فله أن يكلف عباده بما شاء، وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التامة، والحجة البالغة في جميع ذلك، بخلاف الذين في قلوبهم مرض، فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكًا كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق، كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ [التوبة: ١٢٤، ١٢٥]. وقال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ [فصلت: ٤٤]. وقال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء: ٨٢]. ولهذا كان من ثبت على تصديق الرسول واتباعه في ذلك وتوجّه حيث أمره الله من غير شك ولا ريب من سادات الصحابة.

وقد ذهب بعضهم إلى أن [السابقين] (٢) الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا القبلتين.

وقال البخاري في تفسير هذه الآية: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء، إذ جاء جاءٍ فقال: قد أنزل على النبي قرآن، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها فتوجّهوا إلى الكعبة (٣).

وقد رواه مسلم من وجه آخر عن ابن عمر (٤)، ورواه الترمذي من حديث سفيان الثوري، وعنده أنهم كانوا ركوعًا فاستداروا كما هم إلى الكعبة وهم ركوع (٥)، وكذا روى مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس مثله (٦).


= كلهم من طريق نافع بن عمر به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ١/ ١٢٠) وصححه البوصيري في مصباح الزجاجة ٣/ ٣٠١، وحسّنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٣٤٠٠).
(١) ما بين قوسين بياض في الأصل و (حم)، وسقط من نسخة (مح) و (عف)، وأثبت في نسخة (عش) و (ح) وهو الصواب كما في التخريج المذكور في الحاشية السابقة.
(٢) في الأصل: "للسابقين".
(٣) صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا … ﴾ [البقرة: ١٤٣] (ح ٤٤٨٨).
(٤) صحيح مسلم، المساجد، باب تحويل القبلة (ح ٥٢٦).
(٥) السنن، أبواب الصلاة، باب ما جاء في ابتداء القبلة (ح ٣٤١) وصححه الترمذي.
(٦) صحيح مسلم، المساجد، باب تحويل القبلة (ح ٥٢٧).