للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا يدل على كمال طاعتهم لله ولرسوله وانقيادهم لأوامر الله ﷿ أجمعين.

وقوله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ أي: صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك ما كان يضيع (١) ثوبها عند الله.

وفي الصحيح من حديث أبي إسحاق السبيعي، عن البراء قال: مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس، فقال الناس: ما حالهم في ذلك؟ فأنزل الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ (٢).

[ورواه الترمذي عن ابن عباس وصححه] (٣).

وقال [ابن إسحاق] (٤): حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ أي: بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيّكم واتباعه إلى القبلة الأخرى؛ أي: ليعطيكم أجرهما جميعًا ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (٥).

وقال الحسن البصري: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ أي: ما كان الله ليضيع محمدًا وانصرافكم معه حيث انصرف ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (٦).

وفي الصحيح: أن رسول الله رأى امرأة من السبي قد فرّق بينها وبين ولدها، فجعلت كلما وجدت صبيًا من السبي أخذته فألصقته بصدرها وهي تدور على ولدها، فلما وجدته ضمّته إليها وألقمته ثديها. فقال رسول الله : "أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على أن لا تطرحه؟ " قالوا: لا يا رسول الله. قال: "فوالله لله أرحم بعباده من هذه بولدها" (٧).

﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤)﴾.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: كان أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، فأمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله بضعة عشر شهرًا، وكان يحب قِبلة إبراهيم، فكان يدعو إلى الله وينظر إلى السماء، فأنزل الله ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ إلى قوله: ﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ [البقرة: ١٤٢] وقال: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٥]. وقال الله تعالى:


(١) في (عش) و (ح) وفي الأصل: "لا يضيع".
(٢) تقدم تخريجه في مطلع تفسير الآية (١٤٢).
(٣) السنن، التفسير، سورة البقرة (ح ٢٩٦٤) وصححه. وما بين معقوفين سقط من الأصل.
(٤) في الأصل بياض.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق ابن إسحاق به، ويشهد له ما سبق.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عباد بن منصور عن الحسن، ويشهد له ما سبق.
(٧) أخرجه البخاري، الصحيح، التفسير، باب رحمة الولد (ح ٥٩٩٩).