للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم ثبّت تعالى نبيه والمؤمنين، وأخبرهم بأن ما جاء به الرسول هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك فقال: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧)﴾.

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨)﴾.

قال العوفي، عن ابن عباس: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ يعني بذلك: أهل الأديان، يقول: لكل قبيلة قِبلة يرضونها، ووجهة الله حيث توجه المؤمنون (١)، وقال أبو العالية: لليهودي وجهة هو موليها، وللنصراني وجهة هو موليها، وهداكم أنتم أيتها الأمة القبلة التي هي القبلة (٢). وروي عن مجاهد (٣) وعطاء (٤) والضحاك (٥) والربيع بن أنس (٦) والسدي نحو هذا (٧).

وقال مجاهد في الرواية الأخرى (٨) والحسن (٩): أمر كل قوم أن يصلوا إلى الكعبة.

وقرأ ابن عباس وأبو جعفر الباقر وابن عامر: (ولكل وجهة هو مولاها) (١٠)، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ] (١١) فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٤٨]. وقال هاهنا: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي: هو قادر على جمعكم من الأرض وإن تفرقت أجسادكم وأبدانكم.

﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠)﴾.

هذا أمر ثالث من الله تعالى باستقبال المسجد الحرام من جميع أقطار الأرض.

[وقد اختلفوا في حكمة هذا التكرار ثلاث مرات: فقيل: تأكيد، لأنه أول ناسخ وقع في


(١) أخرجه الطبري بسند مسلسل بالضعفاء.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره بسند جيد.
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد وسنده صحيح.
(٤) أخرجه الطبري في تفسيره بسند فيه الحسين وهو سنيد.
(٥) ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره.
(٦) أخرجه الطبري في تفسيره بسند جيد من طريق أبي جعفر الرازي عنه.
(٧) أخرجه الطبري في تفسيره بسند حسن من طريق أسباط عنه بلفظ: "لكل قول قبلة قد ولّوها".
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره بسند ضعيف من طريق ليث بن أبي سليم عن مجاهد بلفظ: "أمر كل قوم أن يصلوا إلى الكعبة".
(٩) في الأصل: "ولكن" والتصويب من (عش) و (ح) و (عف) ومن رواية ابن أبي حاتم في تفسيره فقد صرح بقول الحسن.
(١٠) وهذه القراءة متواترة سبعية.
(١١) ما بين معقوفين سقط من الأصل و (عش) و (ح).