للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسلام على ما نصَّ عليه ابن عباس وغيره (١).

وقيل: بل هو مُنزل على أحوال، فالأمر الأول: لمن هو مشاهد الكعبة. والثاني: لمن هو في مكة غائبًا عنها. والثالث: لمن هو في بقية البلدان. هكذا وجهه فخر الدين الرازي (٢).

وقال القرطبي: الأول: لمن هو بمكة، والثاني: لمن هو في بقية الأمصار، والثالث: لمن خرج في الأسفار، ورجح هذا الجواب القرطبي (٣).

وقيل: إنما ذكر ذلك لتعلُّقه بما قبله أو بعده من السياق فقال أولًا: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ إلى قوله: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ١٤٤] فذكر في هذا المقام إجابته إلى طلبته، وأمره بالقبلة التي كان يَود التوجه إليها ويرضاها.

وقال في الأمر الثاني: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩)﴾ فذكر أنه الحق من الله وارتقاءه المقام الأول حيث كان موافقًا لرضا الرسول فبيّن أنه الحق أيضًا من الله يحبه ويرتضيه وذكر في الأمر الثالث حكمة قطع حجة المخالف من اليهود الذين كانوا يتحججون باستقبال الرسول إلى قبلتهم، وقد كانوا يعلمون بما في كتبهم أنه سيصرف إلى قبلة إبراهيم إلى الكعبة، وكذلك مشركو العرب انقطعت حجتهم لما صرف الرسول عن قبلة اليهود إلى قبلة إبراهيم التي هي أشرف، وقد كانوا يعظمون الكعبة، وأعجبهم استقبال الرسول إليها.

وقيل غير ذلك من الأجوبة عن حكمة التكرار، وقد بسطها الرازي وغيره، والله أعلم] (٤).

وقوله: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ أي: أهل الكتاب فإنهم يعلمون من صفة هذه الأمة التوجه إلى الكعبة، فإذا فقدوا ذلك من صفتها ربما احتجوا بها على المسلمين، ولئلا يحتجوا بموافقة المسلمين إياهم في التوجه إلى بيت المقدس وهذا أظهر.

قال أبو العالية: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ يعني به: أهل الكتاب حين قالوا: صرف محمد إلى الكعبة، وقالوا: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه. وكان حجتهم على النبي [انصرافه] (٥) إلى البيت الحرام أن قالوا: سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا (٦).

قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد وعطاء والضحاك والربيع بن أنس وقتادة والسدي نحو هذا (٧)، وقال هؤلاء في قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ يعني: مشركي قريش (٨).


(١) قول ابن عباس ثبت عنه كما تقدم في مطلع تفسير الآية (١٤٤).
(٢) التفسير الكبير المجلد الثاني.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ٢/ ١٦٨.
(٤) ما بين معقوفين زيادة من (عش) و (ح).
(٥) في الأصل: "الصرافة" وما أثبت من (عش) و (ح) وهو أفصح.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره بسند جيد من طريق الربيع بن أنس عنه.
(٧) ذكره تفسير ابن أبي حاتم، وقول مجاهد وقتادة، أخرجهما الطبري بأسانيد ثابتة في تفسيره.
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده الجيد عن أبي العالية، وبنحوه أخرجه الطبري في تفسيره بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.