للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومجاهد والحسن وقتادة والربيع ومقاتل بن حيان والسدي وزيد بن أسلم (١).

﴿وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ أي: يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان، كما ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: سئل رسول الله عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء؛ أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" (٢).

وفي الصحيحين: "أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" (٣).

وقوله: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ يقول تعالى: فإن انتهوا عما هم فيه من الشرك وقتال المؤمنين فكفوا عنهم، فإن من قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم ولا عدوان إلا على الظالمين، وهذا معنى قول مجاهد (٤): لا يقاتل إلا من قاتل أو يكون تقديره: فإن انتهوا فقد تخلصوا من الظلم وهو الشرك، فلا عدوان عليهم بعد ذلك، والمراد بالعدوان ههنا: المعاقبة والمقاتلة، كقوله: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤] وقوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠]، ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل: ١٢٦] ولهذا قال عكرمة وقتادة: الظالم الذي أبى أن يقول: لا إله إلا الله (٥).

وقال البخاري: قوله: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ … ﴾ الآية، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس ضيعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أن الله حرم دم أخي، قالا: ألم يقل الله: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾؟ فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة، ويكون الدين لغير الله.

وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب، قال: أخبرني فلان وحيوة بن شريح، عن بكر بن عمر المعافري، أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع، أن رجلًا أتى ابن عمر فقال له: يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عامًا وتعتمر عامًا وتترك الجهاد في سبيل الله ﷿، وقد علمت ما رغب الله فيه؟ فقال: يا ابن أخي بني الإسلام على خمس: الإيمان بالله ورسوله والصلوات الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت. قال: يا أبا عبد الرحمن، ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الحجرات: ٩]، ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾؟ قال: فعلنا على عهد رسول الله وكان الإسلام قليلًا، فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه أو عذبوه،


(١) ذكرهم كلهم ابن أبي حاتم من دون سند، وقول مجاهد وقتادة أخرجهما الطبري بإسنادين صحيحين.
(٢) صحيح البخاري، العلم، من سأل وهو قائم (ح ١٢٣)، وصحيح مسلم، الإمارة (ح ١٩٠٤).
(٣) صحيح البخاري، الإيمان، باب ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ [التوبة: ٥] (ح ٢٥) وصحيح مسلم، الإيمان (ح ٣٦).
(٤) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم.
(٥) ذكرهما ابن أبي حاتم من غير إسناد بعد أن رواه بسند جيد عن أبي العالية.