للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي عمران قال: حمل رجل من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه، ومعنا أبو أيوب الأنصاري، فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية، إنما نزلت فينا، صحبنا رسول الله وشهدنا معه المشاهد ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر، اجتمعنا معشر الأنصار نجيًا فقلنا: قد أكرمنا الله بصحبة نبيه ونصره، حتى فشا الإسلام وكَثُر أهله، وكنا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها فنرجع إلى أهلينا وأولادنا، فنقيم فيهما، فنزلت فينا: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ فكانت التهلكة الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد (١).

رواه أبو داود والترمذي والنسائي وعبد بن حميد في تفسيره، وابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه والحافظ أبو يعلى في مسنده، وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، كلهم من حديث يزيد بن أبي حبيب به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، وقال الحاكم: على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

ولفظ أبي داود عن أسلم أبي عمران: كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى أهل الشام رجل يُريدُ فضالةَ بن عبيد، فخرج من المدينة صف عظيم من الروم، فصففنا لهم فحمل رجل من المسلمين على الروم حتى دخل فيهم، ثم خرج إلينا فصاح الناس إليه، فقالوا: سبحان الله ألقى بيده إلى التهلكة! فقال أبو أيوب: يا أيها الناس، إنكم لتتأوّلون هذه الآية على غير التأويل، وإنما نزلت فينا معشر الأنصار، إنا لما أعزّ الله دينه وكَثُر ناصروه، قلنا فيما بيننا: لو أقبلنا على أموالنا فأصلحناها، فأنزل الله هذه الآية (٢).

وقال أبو بكر بن عياش: عن أبي إسحاق السبيعي، قال: قال رجل للبراء بن عازب، إن حملت على العدو وحدي فقتلوني، أكنت ألقيت بيدي إلى التهلكة؟ قال: لا، قال الله لرسوله: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾ [النساء: ٨٤] وإنما هذه في النفقة.

رواه ابن مردويه وأخرجه الحاكم في مستدركه، من حديث إسرائيل، عن أبي إسحاق به، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (٣)، ورواه الثوري وقيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، عن البراء، فذكره وقال بعد قوله: ﴿لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾ [النساء: ٨٤]: ولكن التهلكة أن يذنب الرجل الذنب فيلقي بيده إلى التهلكة ولا يتوب (٤).


(١) أخرجه أبو داود في السنن، الجهاد، باب قول الله تعالى: ﴿ … وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] (ح ٢٥١٢)، والترمذي في السنن، تفسير سورة البقرة (ح ٢٩٧٢)، والنسائي في التفسير (ح ٤٨ و ٤٩)، وابن حبان كما موارد الظمآن (ح ١٦٦٧)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٢٧٥) كلهم من طريق يزيد بن أبي حبيب به، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٢٣٧٣).
(٢) تقدم تخريجه في الرواية السابقة.
(٣) أخرجه الإمام أحمد (المسند ٤/ ٢٨١) ورجاله ثقات وسنده صحيح ولا يضر سوء حفظ أبي بكر بن عياش لأن الرواية ثابتة في صحيح البخاري كما تقدم. وأخرجه الحاكم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق السبيعي به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٢٧٥).
(٤) أخرجه الطبري من طريق الثوري به، وسنده صحيح ٣/ ٥٨٨.