للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القوم في سبيل الله، فيتزود الرجل، فكان أفضل زادًا من الآخر، أنفق الباقين من زاده حتى لا يبقى من زاده شيء، أحبّ أن يواسي صاحبه فأنزل الله: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (١)، وبه قال ابن وهب أيضًا: أخبرني عبد الله بن عياش (٢)، عن زيد بن أسلم في قول الله: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ وذلك أن رجالًا كانوا يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله ، بغير نفقة، فإما أن يقطع بهم وإما كانوا عيالًا، فأمرهم الله أن يستنفقوا مما رزقهم الله ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، والتهلكة أن يهلك رجال من الجوع والعطش أو من المشي. وقال لمن بيده فضل: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (٣).

ومضمون الآية الأمر بالإنفاق في سبيل الله، في سائر وجوه القربات ووجوه الطاعات، وخاصة صرف الأموال في قتال الأعداء، وبذلها فيما يقوى به المسلمون على عدوهم، والإخبار عن ترك ذلك بأنه هلاك ودمار [لمن] (٤) لزمه واعتاده، ثم عطف بالأمر بالإحسان، وهو أعلى مقامات الطاعة، فقال: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.

﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١٩٦)﴾.

لما ذكر تعالى أحكام الصيام، وعطف بذكر الجهاد، شرع في بيان المناسك فأمر بإتمام الحج والعمرة، وظاهر السياق إكمال أفعالهما بعد الشروع فيهما، ولهذا قال بعده: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ أي: صددتم عن الوصول إلى البيت، ومنعتم من إتمامهما، ولهذا اتفق العلماء، على أن الشروع في الحج والعمرة ملزم، سواء قيل بوجوب العمرة أو باستحبابها، كما هما قولان للعلماء، وقد ذكرناهما بدلائلهما في كتابنا الأحكام، مستقصى ولله الحمد والمنة.

وقال شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي أنه قال في هذه الآية: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾، قال: أن تحرم من دويرة أهلك (٥). وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس (٦)، وعن سفيان الثوري أنه قال تمامهما (٧) أن تحرم من أهلك، لا تريد إلا الحج والعمرة وتهل من الميقات، ليس أن تخرج لتجارة ولا لحاجة، حتى إذا كنت قريبًا من مكة، قلت: لو حججتُ أو اعتمرت، وذلك يجزئ، ولكن التمام أن تخرج له ولا تخرج لغيره (٨).


(١) أخرجه ابن أبي حاتم عن يونس به، وسنده حسن.
(٢) في الأصل: "وقال ابن وهب أيضًا أخبرني عبد الله بن عباس" والتصويب من "عش" والتخريج.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب به، وسنده حسن.
(٤) في الأصل: "إن" التصويب من (عش) و (عف).
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق وكيع عن شعبة به.
(٦) ذكرهم ابن أبي حاتم بحذف السند. وقول سعيد بن جبير وطاوس أخرجهما الطبري بسندين صحيحين.
(٧) كذا في الأصل (وعف) ورواية الطبري وفي (عش): "إتمامهما".
(٨) أخرجه الطبري من طريق رجل عن سفيان به، ولم يصرح باسم الرجل.