للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا قال : "من كتب عني سوى القرآن فليمحه" (١)؛ أي: لئلا يختلط بالقرآن، وليس معناه أن لا يحفظوا السنة ويرووها، والله أعلم. فلهذا نعلم بالضرورة أنه لم يبق من القرآن مما أداه الرسول إليهم إلا وقد بلغوه إلينا، ولله الحمد والمنة.

فكان الذي فعله الشيخان أبو بكر وعمر من أكبر المصالح الدينية وأعظمها من حفظهما كتاب الله في الصحف؛ لئلا يذهب منه شيء بموت من تلقاه عن رسول الله ثم كانت تلك الصحف عند الصديق أيام حياته، ثم أخذها عمر بعده، فكانت عنده محروسة معظمة مكرمة، فلما مات كانت عند حفصة أم المؤمنين؛ لأنها كانت وصيته من أولاده على أوقافه وتركته، وكانت (عند) (٢) أم المؤمنين حتى أخذها أمير المؤمنين عثمان بن عفان كما سنذكره إن شاء الله.

قال البخاري (٣) : حدَّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا إبراهيم، (حدّثنا) (٤) ابن شهاب، أن أنس بن مالك حدثه، أنَّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله (عنهما) (٥)، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق؛ فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلافَ اليهود والنَّصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف (ننسخها) (٦) ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف.

وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما أنزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرَقَ.

قال ابن شهاب الزهري: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت، سمع زيد بن ثابت، (قال) (٧): فقدت آيةً من الأحزاب حين نسخنا المصحف، قد كنت أسمع رسول الله يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٢٣] فألحقناها في سورتها "في المصحف" (٨).

وهذا أيضًا من أكبر مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان .


(١) أخرجه مسلم (٣٠٠٤/ ٧٢).
(٢) ساقط من (ج).
(٣) في "الفضائل" (٩/ ١١ - فتح)؛ وأخرجه الترمذي (٣١٠٤)؛ والنسائي (١٣)؛ وأبو عبيد (ص ١٥٣) كلاهما في "الفضائل" وعمر بن شبة في "تاريخ المدينة" (٣/ ٩٩١)؛ وأبو يعلى (٨٧)؛ وابن أبي داود في "المصاحف" (ص ١٩)؛ والبيهقي (٢/ ٣٨٥)؛ والطبراني في "مسند الشاميين"؛ والخطيب في "المدرج"، كما في "الفتح" (٩/ ١٦).
(٤) ساقط من (ج).
(٥) في (ج): "عنه".
(٦) في (أ): "فننسخها".
(٧) في (ط): "يقول".
(٨) في (أ): "بالمصحف".