للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن الشيخين سبقاه إلى حفظ القرآن؛ أن يذهب منه شيء. وهو جمع الناس على قراءة واحدة؛ لئلا يختلفوا في القرآن، ووافقه على ذلك جميع الصحابة. وإنما روى عن عبد الله بن مسعود (١) شيء من التغضب بسبب أنه لم يكن ممن كتب المصاحف، وأمر أصحابه بغل مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الإمام. ثم رجع ابن مسعود إلى الوفاق (٢)، حتى قال علي (٣) بن أبي طالب: "لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا".

فاتفق الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي على أن ذلك من مصالح الدين. وهم الخلفاء الذين قال رسول الله : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" (٤) وكان


(١) يشير المصنف رحمه الله تعالى إلى ما أخرجه مسلم (٢٤٦٢/ ١١٤) والسياق له، والنسائي في "الفضائل" (٢٢) قالا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا عبدة بن سليمان، حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود أنه قال:
﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٦١]. ثم قال: على قراءة من تأمروني أن أقرأ؟ فلقد قرأت على رسول الله بضعًا وسبعين سورة. ولقد علم أصحاب رسول الله أني أعلمهم بكتاب الله. ولو أعلم أن أحدًا أعلم مني لرحلت إليه.
قال شقيق: فجلست في حلق أصحاب محمد . فما سمعت أحدًا يرد ذلك عليه، ولا يعيبه وتابعه هارون بن إسحاق، ثنا عبدة بن سليمان بسنده سواء.
(٢) ويأتي تخريجه قريبًا.
(٣) أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص ١٥٧)؛ وابن أبي داود في "المصاحف" (١٢، ٢٣) من طرق عن شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن رجل، عن سويد بن غفلة، عن علي أنه قال حين أحرق عثمان المصاحف: "لو لم يصنعه هو لصنعته".
وهكذا رواه عن شعبة ثقات أصحاب منهم: "محمد بن جعفر غندر، وأبو داود الطيالسي، وعبد الرحمن بن مهدي". وخالفهم يعقوب بن إسحاق الحضرمي وهو صدوق، فرواه عن شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سويد بن غفلة، عن علي.
فأسقط الواسطة بين علقمة وسويد.
أخرجه ابن أبي داود (ص ١٢) ورواية الجماعة أرجح من غير شك.
ولكن أخرج عمر بن شبة في "تاريخ المدينة" (٣/ ٩٩٤، ٩٩٥، ٩٩٦)؛ وابن أبي داود (ص ٢٣)؛ والبيهقي (٢/ ٤٢) من طريق محمد بن أبان، قال: أخبرني علقمة بن مرثد، قال: سمعت العيزار بن حريث، يقول: لما خرج المختار … فذكره مطولًا.
وفيه: "قال علي: أيها الناس! إياكم والغلو في عثمان؛ تقولون: أحرق المصاحف؟! والله ما حرقها إلا عن ملأ من أصحاب محمد ، ولو وليت مثل ما ولى، لفعلت مثل الذي فعل".
قلت: وهذا سند رجاله ثقات، إلا محمد بن أبان وهو ابن صالح الكوفي، ترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (٣/ ٢/ ١٩٩) ونقل عن أبيه قال: "ليس هو بقوي في الحديث، يكتب حديثه على سبيل المجاز"!. وقال أحمد: "لم يكن يكذب".
فالحديث محتمل للتحسين بالطريقين معًا، والله أعلم.
(٤) حديث صحيح.
أخرجه أبو داود (٤٦٠٧)؛ والترمذي (٢٦٧٦)؛ وابن ماجه (٤٢، ٤٣، ٤٤)؛ والدارمي (١/ ٤٣، ٤٤)؛ وأحمد (٤/ ١٢٦، ١٢٧)؛ وأبو عبيد في "الخطب والمواعظ" (٢)؛ وابن حبان في "صحيحه" (١٠٢) وفي "الثقات" (١/ ٤)؛ والطبري في "تفسيره" (١٠/ ٢١٢)؛ وابن نصر في "السنة" (٢١، ٢٢)؛ وابن أبي عاصم في "السنة" (١/ ١٩، ٢٦، ٢٧، ٢٩، ٣٠) وآخرون عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله =