للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السبب في هذا حذيفة بن اليمان فإنه لما كان غازيًا في فتح أرمينية وأذربيجان وكان قد اجتمع هناك أهل الشام والعراق، وجعل حذيفة يسمع منهم قراءات على حروف شتى، ورأى منهم اختلافًا (كثيرًا) (١) وافتراقًا، فلما رجع إلى عثمان أعلمه، وقال لعثمان: أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.

وذلك أن اليهود والنصارى مختلفون فيما بأيديهم من الكتب، فاليهود بأيديهم نسخة من التوراة والسامرة يخالفونهم في ألفاظ كثيرة ومعاني أيضًا، وليس في توراة السامرة حروف الهمزة، ولا حرف الهاء ولا الياء، والنصارى أيضًا بأيديهم توراة يسمونها العتيقة وهي مخالفة لنسختي اليهود والسامرة.

وأما الأناجيل التي بأيدي النصارى فأربعة: إنجيل مرقس، وإنجيل لوقا، وإنجيل متى، وإنجيل يوحنا، وهي مختلفة أيضًا اختلافًا كثيرًا. وهذه الأناجيل الأربعة كل منها لطيف الحجم. منها ما هو قريب من أربع عشرة ورقة بخط متوسط، ومنها ما هو (أكبر) (٢) من ذلك، إما بالنصف أو الضعف. ومضمونها سيرة عيسى ، وأيامه، وأحكامه، وكلامه، ومعه شيء قليل مما يدعون أنه كلام الله، وهي مع هذا مختلفة كما قلنا. وكذلك التوراة مع ما فيها من التحريف والتبديل، ثم هما منسوختان بعد ذلك بهذه الشريعة المحمدية المطهرة.

فلما قال حذيفة لعثمان ذلك أفزعه، وأرسل إلى حفصة أم المؤمنين أن ترسل إليه بالصحف التي عندها مما جمعه الشيخان؛ ليكتب ذلك في مصحف واحد، وينفذه إلى الآفاق ويجمع الناس على القراءة به وترك ما سواه، ففعلت حفصة. وأمر عثمان هؤلاء الأربعة، وهم زيد بن ثابت الأنصاري، أحد كتاب الوحي لرسول الله ، وعبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أحد فقهاء الصحابة ونجبائهم علمًا وعملًا، وأصلًا وفضلًا. وسعيدُ بن العاص بن أمية القرشي الأموي وكان كريمًا جوادًا ممدحًا، وكان أشبه الناس لهجة برسول الله ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي.

فجلس هؤلاء النفر الأربعة يكتبون بالقرآن نسخًا، وإذا اختلفوا في (وضع) (٣) الكتابة على أي لغة رجعوا إلى عثمان، كما اختلفوا في التابوت (٤)، أيكتبونه بالتاء أو الهاء؟ فقال زيد بن ثابت:


= يومًا بعد صلاة الغداة موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبد حبشي، فإنه من يعش منكم يرى اختلافًا كثيرًا. وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ".
قال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
وقال أبو نعيم: "هو حديث جيد من صحيح حديث الشاميين" نقله ابن رجب في "جامع العلوم" (ص ٢٢٦).
(١) ساقط من (أ) و (ط) و (ل).
(٢) في (أ) و (ل): "أكثر".
(٣) في (أ): "موضع".
(٤) أخرجه الترمذي (٣١٠٤)؛ وعمر بن شبة في "تاريخ المدينة" (٣/ ١٠٠٠ - ١٠٠١)؛ وابن أبي داود في "المصاحف" (ص ١٩)؛ والبيهقي (٢/ ٣٨٥) من قول الزهري.