للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [الأنعام: ١] وقال تعالى: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ [النحل: ٤٨] إلى غير ذلك من الآيات التي في لفظها إشعار بتفرد الحق وانتشار الباطل وتفرده وتشعبه.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن ميسرة، حدثنا عبد العزيز بن أبي عثمان، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، قال: يبعث أهل الأهواء، أو قال: تبعث أهل الفتن، فمن كان هواه الإيمان، كانت فتنته بيضاء مضيئة، ومن كان هواه الكفر، كانت فتنته سوداء مظلمة، ثم قرأ هذه الآية ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٥٧)(١).

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨)﴾.

هذا الذي حاجَّ إبراهيم في ربه هو: ملك بابل نمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح ويقال: نمرود بن فالخ بن عابر (٢) بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، والأول قول مجاهد وغيره (٣)، قال مجاهد: وملك الدنيا مشارقها ومغاربها أربعة: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان سليمان بن داود، وذو القرنين، والكافران: نمرود وبختنصر، والله أعلم.

ومعنى قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ أي: بقلبك يا محمد ﴿إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ أي: وجود ربه، وذلك أنه أنكر أن يكون ثم إله غيره، كما قال بعده فرعون لملئه ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص: ٣٨]. وما حمله على هذا الطغيان والكفر الغليظ والمعاندة الشديدة، إلا تجبره، وطول مدته في الملك، وذلك أنه يقال: أنه مكث أربعمائة سنة في ملكه، ولهذا قال: ﴿أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾ وكان طلب من إبراهيم دليلًا، على وجود الربّ الذي يدعو إليه، فقال إبراهيم: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ أي: إنما الدليل على وجوده، حدوث هذه الأشياء، المشاهدة بعد عدمها، وعدمها بعد وجودها، وهذا دليل على وجود الفاعل المختار، ضرورة، لأنها لم تحدث بنفسها، فلا بد لها من موجد أوجدها، وهو الربّ الذي أدعو إلى عبادته وحده لا شريك له. فعند ذلك قال المحاجّ - وهو النمرود -: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾.

قال قتادة ومحمد بن إسحاق والسدي، وغير واحد: وذلك أني أوتى بالرجلين، قد استحقا القتل فآمر (٤) بقتل أحدهما - فيقتل، وآمر بالعفو عن الآخر فلا يقتل (٥)، فذلك معنى الإحياء والإماتة - والظاهر والله أعلم - أنه ما أراد هذا لأنه ليس جوابًا لما قال إبراهيم، ولا في معناه لأنه [غير] (٦)


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وفي سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف وأيوب بن خالد: وهو لين، كما في التقريب.
(٢) في الأصل: "عابد" بالدال والتصويب من (عف) و (حم) و (ح) والتخريج.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه.
(٤) لفظ: "فآمر" سقط من الأصل واستدرك من التخريج.
(٥) قول قتادة أخرجه الطبري بسند حسن من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وقول السدي أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(٦) لفظ: "غير" سقط من الأصل واستدرك من (ح) و (حم).