للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رأيت مثل الذي حاجَّ إبراهيم في ربه، ولهذا عطف عليه بقوله: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ اختلفوا في هذا المارّ من هو؟ فروى ابن أبي حاتم، عن عصام بن رواد، عن آدم بن أبي إياس، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي بن أبي طالب، أنه قال: هو عُزير (١). ورواه ابن جرير عن ناجية نفسه، وحكاه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وسليمان بن بُريدة (٢)، وهذا القول هو المشهور.

وقال وهب بن منبه وعبد الله بن عبيد بن عمير: هو أرميا بن حلقيا (٣).

قال محمد بن إسحاق، عمّن لا يتهم عن وهب بن منبه، أنه قال: هو اسم الخضر (٤).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: سمعت سليمان بن محمد السياري الجاري من أهل الجاري ابن عم مطرف، قال: سمعت سلمان يقول: إن رجلًا من أهل الشام يقول: إن الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه اسمه حزقيل بن بورا (٥).

وقال مجاهد بن جبر: هو رجل من بني إسرائيل (٦).

([وذكر غير واحد أنه مات وهو ابن أربعين سنة؛ فبعثه الله وهو كذلك، وكان له ابن، فبلغ من السن مائة وعشرين سنة، وبلغ ابن ابنه تسعين وكان الجدُّ شابًا وابنه وابن ابنه شيخان كبيران قد بلغا الهرم، وأنشدني به بعض الشعراء:

واسوَدّ رأس شاب من قبل ابنه … ومن قبله ابن ابنه فهو أكبر

يرى أنه شيخًا يدبُّ علي عصا … ولحيته سوداء والرأس أشعر

وما لابنه حبل ولا فضل قوة … يقوم كما يمشي الصغير فيعثر

وعمر ابنه أربعون أمرها … ولابن ابنه في الناس تسعين غبر]) (٧)

وأما القرية فالمشهور أنها بيت المقدس، مرّ عليها بعد تخريب بختنصر لها وقتل أهلها ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ﴾ أي: ليس فيها أحد، من قولهم: خوت الدار، تخوي خويًا.

- وقوله: ﴿عَلَى عُرُوشِهَا﴾ أي: ساقطة سقوفها وجدرانها على عرصاتها، فوقف متفكرًا فيما آل أمرها إليه بعد العمارة العظيمة، وقال: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ وذلك لما رآى من دثورها وشدة خرابها وبعدها عن العود إلى ما كانت عليه، قال الله تعالى: ﴿فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ قال: وعمرت البلدة بعد مضي سبعين سنة من موته، وتكامل ساكنوها، وتراجع بنو إسرائيل إليها، فلما بعثه الله ﷿ بعد موته، كان أول شيء أحيا الله فيه عينيه لينظر بهما إلي صنع الله فيه: كيف يحيي بدنه، فلما استقل سويًا (قال) الله له، أي بواسطة الملك: ﴿كَمْ لَبِثْتَ


(١) أخرجه ابن أبي حاتم مشده ومتنه، وسنده حسن وأخرجه الحاكم من طريق إسرائيل به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٢٨٢).
(٢) ذكرهم ابن أبي حاتم بحذف السند.
(٣) قول وهب بن منبه ذكره ابن أبي حاتم بحذف السند، وقول عبد الله بن عبيد بن عمير أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق قيس بن الربيع عنه.
(٤) سنده ضعيف لإبهام شيخ ابن إسحاق.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وفي سنده شيخ سليمان: مبهم.
(٦) ذكره ابن أبي حاتم بحذف السند.
(٧) هذا النص زيادة من نسخة (ح).