للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ قال: وذلك أنه مات أول النهار، ثم بعثه الله في آخر النهار، فلما رأى الشمس باقية ظنَّ أنها شمس ذلك اليوم، فقال: ﴿أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ وذلك أنه كان معه فيما ذكر عنب وتين وعصير، فوجده كما تقدم لم يتغيَّر منه شيء، لا العصير استحال، ولا التين حمض ولا أنتن، ولا العنب تعفن ﴿وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ أي: كيف يحييه الله ﷿، وأنت تنظر ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ أي: دليلًا على المعاد ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ أي: نرفعها، فيركب بعضها على بعض. وقد روى الحاكم في مستدركه من حديث نافع بن أبي نُعيم، عن إسماعيل بن حكيم، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، أن رسول الله قرأ: ﴿كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ بالزاي. ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه (١) (٢). وقرئ "نُنشِرُها" (٣) أي: نحييها، قاله مجاهد (٤): ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾.

وقال السدي وغيره: تفرقت عظام حماره حوله يمينًا ويسارًا، فنظر إليها وهي تلوح من بياضها، فبعث الله ريحًا فجمعتها من كل موضع من تلك المحلة، ثم ركب كل عظم في موضعه حتى صار حمارًا قائمًا من عظام لا لحم عليها، ثم كساها الله لحمًا وعصبًا وعروقًا وجلدًا، وبعث الله ملكًا فنفخ في منخري الحمار، فنهق بإذن الله ﷿ (٥)، وذلك كله بمرأى من العزيز، فعند ذلك لما تبين له هذا كله ﴿قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي: أنا عالم بهذا، وقد رأيته عيانًا، فأنا أعلم أهل زماني بذلك، وقرأ آخرون: (قال اعلم) على أنه أمر له بالعلم.

﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠)﴾.

ذكروا لسؤال إبراهيم ، أسبابًا، منها: أنه لما قال لنمرود: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [البقرة: ٢٥٨] أحب أن يترقى من علم اليقين بذلك، إلي عين اليقين، وأن يرى ذلك مشاهدة، فقال: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ﴾ فأما الحديث الذي رواه البخاري عند هذه الآية: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، وسعيد، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله : "نحن أحقُّ بالشك من إبراهيم إذ قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ " (٦). وكذا رواه مسلم عن حرملة بن يحيى، عن وهب به (٧)، فليس المراد ههنا بالشك، ما


(١) في الأصل: "صحيح" وباقي العبارة استدركت من المستدرك.
(٢) المستدرك ٢/ ٢٣٤، وهي قراءة متواترة، وقد تعقبه الذهبي أن إسماعيل بن قيس من ولد زيد بن ثابت ضعفوه. وإسماعيل هذا يرويه عن نافع بن أبي نعيم به.
(٣) وهي قراءة متواترة.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه بنحوه.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق أسباط عن السدي بنحوه.
(٦) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، تفسير سورة البقرة، باب ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [البقرة: ٢٦٠] ح ٤٥٣٧).
(٧) صحيح مسلم، الإيمان، باب زيادة طمأنينة القلب (ح ١٥١).