للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال علي والسدي: ﴿مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ يعني: الذهب والفضة، ومن الثمار والزروع التي أنبتها لهم من الأرض (١)، قال ابن عباس: أمرهم بالإنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه (٢)، ونهاهم عن التصدق برذالة المال ودنيئه وهو خبيثه، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، ولهذا قال: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ﴾ أي: تقصدوا الخبيث ﴿مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ﴾ أي: لو أعطيتموه ما أخذتموه، إلا أن تتغاضوا فيه، فالله أغنى عنه منكم، فلا تجعلوا لله ما تكرهون، وقيل: معناه ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ أي: لا تعدلوا عن المال الحلال وتقصدوا إلى الحرام فتجعلوا نفقتكم منه، ويذكر ههنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا إسحاق، عن الصباح بن محمد، عن مرة الهمداني، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله : "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، والذي نفسي بيده لا يسلم عبد، حتى يسلم قلبه ولسانه ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه" قالوا: وما بوائقه يا نبي الله؟ قال: "غشه وظلمه، ولا يكسب عبد مالًا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان إلى النار، إن الله لا يمحو السيء بالسيء، ولكن يمحو السيء بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث" (٣).

والصحيح القول الأول، قال ابن جرير : حدثنا الحسين بن عمرو العنقزي، حدثني أبي، عن أسباط، عن السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب ، في قول الله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ … ﴾ الآية، قال: نزلت في الأنصار، كانت الأنصار إذا كانت أيام جذاذ النخل (٤) أخرجت من حيطانها البسر فعلقوه على حبل، بين الأسطوانتين في مسجد رسول الله ، فيأكل فقراء المهاجرين منه، فيعمد الرجل منهم إلى الحشف (٥) فيدخله مع أقناء البسر (٦)، يظن أن ذلك جائز، فأنزل الله فيمن فعل ذلك ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾، ثم رواه ابن جرير وابن ماجه وابن مردويه، والحاكم في مستدركه من طريق السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بنحوه، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري ومسلم، ولم يخرجاه (٧).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن


(١) قول علي بن أبي طالب أخرجه الطبري بسند ضعيف، فيه أبو بكر الهذلي وهو متروك (التقريب ص ٦٢٥)، بلفظ: "من الحب والثمر كل شيء عليه زكاة"، وقول السدي: أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه بلفظ: "من الذهب والفضة".
(٢) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ٣٨٧)، ورجاله ثقات إلا الصباح بن محمد: وهو ضعيف.
(٤) جذاذ النخل: أي قطعه.
(٥) الحشف: اليابس الفاسد من التمر، وقيل: الضعيف الذي لا نوى له (النهاية ١/ ٣٩١).
(٦) البسر أوله طلع ثم خَلَال ثم بسر ثم رطب (مختار الصحاح ص ٥١).
(٧) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وأخرجه ابن ماجه من طريق عمرو العنقزي به (السنن، الزكاة، باب النهي أن يخرج في الصدقة شر ماله ح ١٨٢٢)، وصححه البوصيري (مصباح الزجاجة ح ٦٥٥)، والألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ١٤٧٥)، وأخرجه الحاكم من طريق عمرو به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٢٨٥).