للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد، حدثنا حماد بن سلمة، عن حماد هو: ابن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: أتى رسول الله بضب، فلم يأكله ولم ينه عنه، قلت: يا رسول الله، نطعمه المساكين؟ قال: "لا تطعموهم مما لا تأكلون" (١). ثم رواه عن عفان، عن حماد بن سلمة به، فقلت: يا رسول الله، ألا أطعمه المساكين؟ قال: "لا تطعموهم مما لا تأكلون".

وقال الثوري: عن السدي، عن أبي مالك، عن البراء ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ يقول: لو كان لرجل على رجل فأعطاه ذلك، لم يأخذه إلا أن يرى أنه قد نقصه من حقه، رواه ابن جرير (٢).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ يقول: لو كان لكم على أحد حق فجاءكم بحق دون حقكم، لم تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقصوه، قال: فذلك قوله: ﴿إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم، وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه؟ رواه ابن أبي حاتم، وابن جرير (٣)، وزاد: وهو قوله: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (٤) [آل عمران: ٩٢]، ثم روي عن طريق العوفي وغيره، عن ابن عباس، نحو ذلك (٥)، وكذا ذكر غير واحد.

وقوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ أي: وإن أمركم بالصدقات وبالطيب منها، فهو غني عنها، وما ذاك إلا أن يساوي الغني الفقير، كقوله: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: ٣٧] وهو غني عن جميع خلقه وجميع خلقه فقراء إليه، وهو واسع الفضل، لا ينفد ما لديه، فمن تصدق بصدقة من كسب طيب، فليعلم أن الله غني واسع العطاء، كريم جواد، ويجزيه بها، ويضاعفها له أضعافًا كثيرة، من يقرض غير عديم ولا ظلوم، وهو الحميد؛ أي المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره، لا إله إلا هو، ولا رب سواه.

وقوله: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨)﴾.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا هناد بن السري، حدثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن مُرَّة الهمداني، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله : "إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة، فأما لمة (٦) الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملَك فإيعاد بالخير والتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان" ثم قرأ: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا … ﴾ الآية (٧)، وهكذا رواه الترمذي والنسائي في كتابي التفسير من سننهما جميعًا،


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، ورجاله ثقات إلا حماد بن أبي سليمان الأشعري وهو صدوق له أوهام كما في التقريب، والنصف الأول من الحديث له شواهد في الصحيحين، في صحيح البخاري، كتاب الصيد، باب الضب، وصحيح مسلم، الصيد، باب إباحة الضب.
(٢) أخرجه الطبري من طريق سفيان به، وسنده حسن.
(٣) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٤) هذه الزيادة وردت في الطبري.
(٥) أخرجه الطبري بعد رواية علي بن أبي طلحة.
(٦) لمة الشيطان: همه وخطره في القلب (النهاية ٤/ ٢٧٣).
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، والرواية الآتية الموقوفة على ابن مسعود أصح.