للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن وهب، عن مالك، قال زيد بن أسلم: الحكمة العقل، قال مالك: وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة هو الفقه في دين الله، وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله، ومما يبين ذلك أنك تجد الرجل عاقلًا في أمر الدنيا إذا نظر فيها، وتجد آخر ضعيفًا في أمر دنياه، عالمًا بأمر دينه بصيرًا به، يؤتيه الله إياه ويحرمه هذا، فالحكمة: الفقه في دين الله (١).

وقال السدي: الحكمة النبوة (٢).

والصحيح أن الحكمة كما قال الجمهور: لا تختص بالنبوة بل هي أعمُّ منها، وأعلاها النبوة، والرسالة أخصّ، ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع، كما جاء في بعض الأحاديث: "من حفظ القرآن فقد أدرجت النبوة بين كتفيه غير أنه لا يوحى إليه" رواه وكيع بن الجراح في تفسيره، عن إسماعيل بن رافع، عن رجل لم يسمه، عن عبد الله بن عمرو (٣)، قوله. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع ويزيد، قالا: حدثنا إسماعيل - يعني: ابن أبي خالد - عن قيس وهو ابن أبي حازم، عن ابن مسعود، قال: سمعت رسول الله ، يقول: "لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها" (٤). وهكذا رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه من طرق متعددة عن إسماعيل أبي خالد به (٥).

وقوله: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أي: وما ينتفع بالموعظة والتذكار إلا من له لبٌّ وعقل، يعي به الخطاب ومعنى الكلام.

﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (٢٧٠) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١)﴾.

يخبر تعالى بأنَّه عالم بجميع ما يفعله العاملون من الخيرات من النفقات والمنذورات، وتضمن ذلك مجازاته على ذلك أوفر الجزاء للعاملين لذلك ابتغاء وجهه ورجاء موعوده، وتوعد من لا يعمل بطاعته، بل خالف أمره، وكذب خبره، وعبد معه غيره، فقال: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ أي: يوم القيامة ينقذونهم من عذاب الله ونقمته.

وقوله: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾ أي: إن أظهرتموها فنعم شيء هي.

وقوله: ﴿وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها، لأنه أبعد عن الرياء إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به، فيكون أفضل من هذه الحيثية، وقال رسول الله : "الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق أبي الطاهر أحمد بن عمرو عن ابن وهب به.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٣) سنده ضعيف بسبب الرجل المبهم.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ٤٣٢)، وسنده صحيح.
(٥) صحيح البخاري، العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة (ح ٧٣)، وصحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه (ح ٨١٦).