للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعدة رسوله، فبكى عمر وقال: بأبي أنت وأُمي يا أبا بكر، والله ما استبقنا إلى باب خير قط إلا كنتَ سابقًا (١).

وهذا الحديث روي من وجه آخر عن عمر ، وإنما أوردناه ههنا لقول الشعبي: إن الآية نزلت في ذلك، ثم إن الآية عامة في أن إخفاء الصدقة أفضل، سواء كانت مفروضة أو مندوبة، لكن روى ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسيره هذه الآية، قال: جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها، فقال: بسبعين ضعفًا، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها، فقال: بخمسة وعشرين ضعفًا (٢).

وقوله: ﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ أي: بدل الصدقات ولا سيما إذا كانت سرًا، يحصل لكم الخير في رفع الدرجات ويكفر عنكم السيئات وقد قرئ: ﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ﴾ بالضم، وقرئ: ويكفرْ بالجزم عطفًا على محل جواب الشرط وهو قوله: ﴿فَنِعِمَّا هِيَ﴾ كقوله: ﴿فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ﴾ [المنافقون: ١٠]، ﴿وَأَكُنْ﴾.

وقوله: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ أي: لا يخفى عليه من ذلك شيء وسيجزيكم عليه.

﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (٢٧٢) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤)﴾.

قال أبو عبد الرحمن النسائي: أنبأنا محمد بن عبد السلام بن عبد الرحيم، أنبأنا الفريابي، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا (٣) لأنسابهم من المشركين، فسألوا فرخص لهم، فنزلت هذه الآية ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (٢٧٢)(٤). وكذا رواه أبو حذيفة وابن المبارك وأبو أحمد الزبيدي وأبو داود الحفري (٥) عن سفيان، وهو الثوري به.

وقال ابن أبي حاتم: أنبأنا أحمد بن القاسم بن عطية، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن - يعني:


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وفيه موسى بن عمير القرشي، وهو متروك كما في التقريب، فالإسناد ضعيف جدًّا.
(٢) أخرجه الطبري بسنده الثابت عنه بلفظه.
(٣) رضخ له من ماله: أعطاه القليل منه.
(٤) أخرجه النسائي بسنده ومتنه (السنن الكبرى، التفسير قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٢] ح ٧٢)، وأخرجه الحاكم من طريق سفيان به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ١٥٦، ١٥٧).
(٥) في الأصل: "الحيري" والتصويب من (عف) و (ح).