للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدشتكي -، حدثني أبي، عن أبيه، حدثنا أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي أنه كان يأمر بأن لا يتصدق إلا على أهل الإسلام، حتى نزلت هذه الآية: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ … ﴾ إلى آخرها، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين (١).

وسيأتي عند قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ … ﴾ الآية [الممتحنة: ٨]، حديث أسماء بنت الصديق في ذلك.

وقوله: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ﴾ كقوله: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ﴾ [فصلت: ٤٦] ونظائرها في القرآن كثيرة.

وقوله: ﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾ قال الحسن البصري: نفقة المؤمن لنفسه ولا ينفق المؤمن إذا أنفق إلا ابتغاء وجه الله (٢).

وقال عطاء الخراساني: يعني إذا عطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله (٣). وهذا معنى حسن وحاصله أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله، فقد وقع أجره على الله، ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب برّ أو فاجر أو مستحق أو غيره، وهو مثاب على قصده، ومستند هذا تمام الآية ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ … ﴾ والحديث المخرج في الصحيحين من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "قال رجل: لأتصدقنّ الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق على زانية، فقال: اللَّهم لك الحمد على زانية، لأتصدقنَّ الليلة بصدقة فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على غني، قال: اللَّهم لك الحمد على غني، لأتصدقنَّ الليلة بصدقة، فخرج فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق، فقال: اللَّهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق، فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت، وأما الزانية فلعلها أن تستعفف بها عن زنا، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله، ولعل السارق أن يستعفّ بها عن سرقته" (٤).

وقوله: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يعني: المهاجرين الذين انقطعوا إلى الله وإلى رسوله وسكنوا المدينة، وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم و ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ﴾ يعني: سفرًا للتسبب في طلب المعاش والضرب في الأرض هو السفر. قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾ [النساء: ١٠١] وقال تعالى] (٥) ﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ … ﴾ الآية [المزمل: ٢٠].


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده حسن، وأخرجه الضياء المقدسي من طريق أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي به (المختارة ١٠/ ١١٥ ح ١١٣).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق موسى بن محلم عن أبي بكر الحنفي عن عباد بن منصور عن الحسن. وموسى لم أقف على ترجمة له.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي شيبة عن عطاء الخراساني.
(٤) صحيح البخاري، الزكاة، باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم (ح ١٤٢١) وصحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب ثبوت أجر المتصدق .. (ح ١٠٢٢).
(٥) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك من (عف) و (ح) و (حم).