للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾ أي: الجاهل بأمرهم وحالهم يحسبهم أغنياء من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم، وفي هذا المعنى الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "ليس المسكين بهذا الطوّاف الذي ترده التمرة والتمرتان، واللّقمة واللّقمتان: [والأكلة والأكلتان] (١)، ولكن المسكين الذي لا يجد غنًى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئًا" (٢). رواه أحمد من حديث ابن مسعود أيضًا (٣).

وقوله: ﴿تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ أي: بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم، كما قال تعالى: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ﴾ [الفتح: ٢٩]، وقال: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ [محمد: ٣٠] وفي الحديث الذي في السنن: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" ثم قرأ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥)[الحجر] (٤).

وقوله: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ أي: لا يلحون في المسألة ويكلفون الناس ما لا يحتاجون إليه، فإن سأل وله ما يغنيه عن المسألة، فقد ألحق في المسألة.

قال البخاري: حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شَريك بن أبي نمر، أن عطاء بن يسار وعبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، قالا: سمعنا أبا هريرة يقول: قال رسول الله : "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللّقمة واللّقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف، اقرؤوا إن شئتم؛ يعني قوله: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ (٥). وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر المديني، عن شَريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار وحده، عن أبي هريرة به (٦)، وقال أبو عبد الرحمن النسائي: أخبرنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل، أخبرنا شَريك وهو ابن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة به، عن النبي قال: "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، واللّقمة واللّقمتان، إنما المسكين المتعفف، اقرؤوا إن شئتم ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا … ﴾ وروى البخاري من حديث شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي .. نحوه (٧).

وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني ابن أبي ذئب، عن أبي الوليد، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "ليس المسكين بالطوَّاف عليكم فتطعمونه لقمة لقمة، إنما المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافًا" (٨).


(١) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك من (عف) و (ح) و (حم).
(٢) صحيح البخاري، التفسير، سورة البقرة، باب ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣] (ح ٤٥٣٩)، وصحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب المسكين الذي لا يجد غنى (ح ١٠٣٩).
(٣) المسند ١/ ٣٨٤.
(٤) أخرجه الترمذي من طريق عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا ثم قال: هذا حديث غريب، إنما نعرفه من هذا الوجه (السنن، تفسير القرآن، باب ومن سورة الحجر ح ٣١٢٧)، وفي سنده عطية العوفي وهو ضعيف.
(٥) تقدم تخريجه في الحديث قبل السابق.
(٦) تقدم في الحديث قبل السابق.
(٧) صحيح البخاري، الزكاة (ح ١٤٧٦).
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده صحيح.