للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي: خافوه وراقبوه فيما تفعلون ﴿وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ أي: اتركوا ما لكم على الناس من الزيادة على رؤوس الأموال، بعد هذا الإنذار ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أي: بما شرع الله لكم من تحليل البيع وتحريم الربا وغير ذلك، وقد ذكر زيد بن أسلم، وابن جريج (١) ومقاتل بن حيان والسدي، أن هذا السياق نزل في بني عمرو بن عمير من ثقيف، وبني المغيرة من بني مخزوم، كان بينهم ربا في الجاهلية، فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه، طلبت ثقيف أن تأخذه منهم، فتشاورا وقالت بني المغيرة: لا نؤدي الربا في الإسلام بكسب الإسلام، فكتب في ذلك عتاب بن أُسيد، نائب مكة إلى رسول الله فنزلت هذه الآية، فكتب بها رسول الله إليه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ فقالوا: نتوب إلى الله، ونذر ما بقي من الربا، فتركوه كلهم (٢).

وهذا تهديد ووعيد أكيد، لمن استمر على تعاطى الربا بعد الإنذار قال ابن جريج: قال ابن عباس:، ﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ﴾ أي: استيقنوا بحرب من الله ورسوله (٣)، وتقدم من رواية ربيعة بن كلثوم، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب، ثم قرأ ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ (٤).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ فمن كان مقيمًا على الربا لا ينزع عنه، كان حقًّا على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلَّا ضرب عنقة (٥).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن بشار (٦)، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا هشام بن حسان، عن الحسن وابن سيرين، أنهما قالا: والله إن هؤلاء الصيارفة لأكلة الربا، وإنهم قد أذنوا بحرب من الله ورسوله، ولو كان على الناس إمام عادل لاستتابهم، فإن تابوا وإلا وضع فيه السلاح (٧).

وقال قتادة: أوعدهم الله بالقتل كما يسمعون، وجعلهم بهرجًا أين ما أتوا، فإياكم ومخالطة هذه البيوع من الربا، فإن الله قد أوسع الحلال وأطابه، فلا يلجئنكم إلى معصيته فاقة. رواه ابن أبي حاتم (٨).


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف عن ابن جريج، وأخرجه بسند حسن عن السدي بنحوه وهو مرسل ويتقوى برواية مقاتل بن حيان التالية.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق بكير بن معروف عن مقاتل لكنه مرسل، وهذا القول مع قول السدي يقوي أحدهما الآخر.
(٣) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج به، وابن جريج لم يلق ابن عباس ويشهد له قول قتادة والربيع والحسن وابن سيرين كما سيأتي.
(٤) تقدم في تفسير الآية ٢٧٥ وتبين أنه ضعيف الإسناد.
(٥) أخرجه الطبرى وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق على بن أبي طلحة به.
(٦) في الأصل: "ابن يسار" وهو تصحيف والتصويب من التخريج.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده صحيح.