وإيجاز القصر أن تكون الجملة ذات كلمات يسيرة، ولها معاني كثيرة، فعلى كلام المؤلف يكون في الكلام إيجاز حذف.
فإذا قال قائل: إن هذا التركيب الذي ذكره المؤلف فيه شيء من الركاكة [لا تجزون إلا جزاء ما كنتم تعملون].
فالجواب: نعم القرآن أفصح بلا شك، وأبين، وأسد، لأن التعبير عن الجزاء بالعمل أبلغ في التأثير على الففس، فإذا علم الإنسان أنه لا يجزى يوم القيامة إلا عمله فإنه سوف يزدجر عن المحرمات، وسوف يقوى على فعل المأمورات؛ لأنه يعلم أن عمله هذا نفسه هو الذي سيجزاه يوم القيامة، فالذي يظهر لي أن الكلام لا يحتاج إلى هذا التقدير الذي ذكره المؤلف -رحمه الله-، لأن جعل العمل هو الذي يجزى به الإنسان أبلغ في إثارة النفس كما قررناه، وقوله: {إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤)} أي: هذا في الدنيا {تَعْمَلُونَ (٥٤)} خبر كاف، وتحتاج الجملة إلى عائد يعود على الموصوف (ما)؛ لأنه قد تقدر في علم النحو: أن كل اسم موصول يحتاج إلى عائد يربطه بصلته، كما أن كل خبر للمبتدأ يكون جملة يحتاج إلى رابط، يربط بين الجملة الخبرية وبين المبتدأ التي هي خبر عنه، هنا نقول: إن العائد محذوف أي: ما كنتم تعملونه، والعمل يطلق بلا شك على فعل الجوارح، ويطلق على القول، ويطلق على عمل القلب، وهو الركون إلى الشيء، والاطمئنان به، فإذا أطلق العمل شمل هذه الثلاثة: عمل القلب وهو ركونه إلى الشيء ورضاه وطمأنينته به، قول بمعنى عمل اللسان، فعل عمل الجوارح، هذا إذا أطلق العمل، أما إذا