للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا هو التوحيد، فالتوحيد مبني على نفي وإثبات؛ لأن النفي المجرد تعطيل محض وعدم، والإثبات المجرد لا يمنع المشاركة، فلا يتم التوحيد إلا بنفي وإثبات، ولهذا لو قلت: (لا قائم في البيت) فهذا نفي مجرد معناه العدم، وإذا قلت: (زيد قائم في البيت) فهذا إثبات مجرد لا يمنع المشاركة، أي: قد يكون رجل آخر في البيت قائم، فإذا قلت: (لا قائم في البيت إلا زيد) فحينئذ تحقق الانفراد وتحقق التوحيد، وصار لا يوجد قائم في هذا البيت إلا زيد، إذًا التوحيد لابد فيه من هذين الأمرين: النفي، والإثبات، ولكن بماذا يبدأ؟ يبدأ أولًا بالنفي ليرد الإثبات على مكان خال من الشوائب، خالص صالح لاستقرار الإثبات فيه، ولهذا يبدأ بالنفي ثم بالإثبات وهذا في القرآن كثير، ومنه قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} (١) فتبرأ أولًا من كل معبود، ثم أثبت العبادة لله وحده الذي فطره.

٤ - من فوائد الآية الكريمة: أن طاعة الشيطان في معصية الله -ولا تكون طاعة الشيطان إلا في معصية الله- نوع من العبادة لقوله: {أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} لأن الطاعة فيها نوع من التذلل، والعبادة هي التذلل، فمن أطاع الشيطان في معصية الله فقد عبده.

٥ - ومن فوائدها: أن العبادة لا تختص بالركوع والسجود والذبح والنذر وما أشبه ذلك، بل هي عامة شاملة لكل طاعة يكون فيها كمال التذلل.


(١) سورة الزخرف، الآيتان: ٢٦، ٢٧.

<<  <   >  >>