للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليك هذا قلت: يا رسول الله، إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم" أو قال: "على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" (١)، وكل صباح تكفر الجوارح اللسان يعني أنها تجِعل الأمر مناطًا به، ولهذا قال في سورة النور: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} ونص على الألسن في سورة النور لأنه ذكر فيها ما يتعلق بذلك من الأمور العظيمة كالقذف مثلًا، وأعظمه قذف عائشة -رضي الله عنها- ولهذا ذكرت في سورة النور الألسن؛ لأن القذف قول، فقال: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)}.

{بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥)} تنازعه عاملان الأول: (وتكلم) والثاني: (تشهد) والتنازع أن يتوارد عاملان على معمول واحد، مثل أن تقول: أكرمت ورأيت زيدًا، فإن أكرمت ورأيت عاملان على معمول واحد وهو: زيد، أما أيهما يعمل هل هو الأول أو الثاني؟ فالعلماء اختلفوا في ذلك: يقول ابن مالك:

والثاني أولى عند أهل البصرة ... واختار عكسًا غيرهم ذا أصبح

فالعامل الثاني هو الذي يعمل عند البصريين، وعند الكوفيين الذي يعمل هو الأول.

{بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥)} ولم يقل: (بما كانوا يعملون)، لأن العمل قد لا يكون من كسب الإنسان، فقد يكون العمل خطأ فلا يؤاخذ به الإنسان، فلا يكون من كسبه، بل الذي يكون من


(١) أخرجه الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة (٢٦١٦) وقال: "حديث حسن صحيح".

<<  <   >  >>