للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلم يقل: "والسماء بنيناها بأيدينا" وإذا لم ينسب الله ذلك إلى نفسه حرم علينا أن ننسبه إلى الله، فكان يتعين أن نفسر قوله: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} أي بقوة. وإذا لم يضف الله شيئًا إلى نفسه حرم أن نضيفه إليه. لأنا لو أضفناه إليه وهو لم يضف إليه لكنا نقول على الله بلا علم. ألم تر إلى قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢)} (١) اختلف السلف في قوله: {عَنْ سَاقٍ} هل المراد عن شدة، أو المراد عن ساقه عز وجل، ونحن إذا أخذنا القاعدة التي قررناها الآن بأن ما لم يضفه الله إلى نفسه يحرم علينا أن نضيفه إليه، قلنا: إن المراد بالساق هنا الشدة ولابد، ولا يمكن أن نفسره بساق الله، لأن الله لم يضفه إلى نفسه فلم يقل: (يوم نكشف عن ساقنا) بل قال {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} ولكن إذا تأملت سياق الآية الكريمة وما جاء في الصحيحين في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وجدت أن ذلك يقتضي أن يكون المراد به ساق الله فإنه في حديث أبي سعيد الطويل المشهور، أن الله يكشف عن ساقه فيسجد له كل من كان يسجد لله تعالى في الدنيا، ويعجز عن السجود من لم يسجد لله في الدنيا (٢)، فهنا {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣)} نجد أن سياق الآية يوافق سياق الحديث، وحينئذ نقول: إن كلام الله


(١) سورة القلم، الآية: ٤٢.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب يوم يكشف عن ساق (٤٩١٩) ومسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية (١٨٣).

<<  <   >  >>