للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باختياره، فيقال لهم: إن هذا يلزم منه الفوضى بحيث يفعل كل إنسان ما شاء ويقول: هذا بغير اختياري، وأنا مجبور عليه، ويلزم منه أيضًا: أن الله إذا عذب الإنسان على معصية كان ظالمًا له، ويلزم عليه أن مدح الطائعين لغو لا فائدة منه؛ لأنه لا يمدح الإنسان على أمر يجبر عليه بدون اختياره، ويترتب عليه أيضًا: أن ذم العاضين ظلم؛ لأنه ذم لمن لا يختار هذا الفعل. وكما أنه يترتب عليه هذه اللوازم الباطلة فهو أيضًا مخالف للواقع، فإن الإنسان يجد الفرق بين فعله الاختياري، وبين فعله الاضطراري، يجد الفرق بين أن ينزل من السلم درجة درجة وبطمأنينة واختيار، وبين أن يأتي شخص ويدفعه دفعًا، حتى لا يتمكن من الوقوف، فالأمر واضح من الناحية الواقعية العقلية، أن هذا القول باطل من أبطل الأقوال. لكن الذي غرّ أصحابه أن الله عز وجل ذكر أنه خلق كل شيء، وأنه قدر كل شيء، وأنه لا يكون في ملكه ما لا يريد إلى غير ذلك من الأشياء التي يتعللون بها، لكنهم في الحقيقة نظروا إليها وغفلوا عن النصوص الأخرى الدالة على أن الإنسان فاعل باختياره، ولهذا قابلهم:

أصحاب المذهب الثاني: الذين نظروا إلى النصوص الدالة على أن الإنسان فاعل باختياره وإلى الواقع، فأنكروا أن يكون لله عز وجل إرادة، أو خلق في أفعال العباد، وقالوا: إن العبد مستقل بعمله يفعل ما يشاء، ويترك ما يشاء، وليس لله سبحانه وتعالى تعلق بفعل العبد.

وهؤلاء أقرب إلى المعقول من أولئك القوم؛ لأن الإنسان

<<  <   >  >>