لا شك يجد أنه فاعل بالاختيار، فهو يدخل بيته، ويخرج من بيته، ويأتي للمسجد، ويخرج من المسجد، ويختار هذا الفعل على وجه اختياري لا يشعر أبدًا بأن أحدًا يجبره على ذلك، ولكن ظل هؤلاء بسلبهم إرادة الله عز وجل وخلقه عن أفعال الخلق واعتقادهم أن الإنسان مستقل بما يحدثه، ولهذا سموا مجوس هذه الأمة؛ لمشابهتهم للمجوس في إثبات فاعلين للحوادث، وهم يقولون بإثبات فاعلين للحوادث. الذي من فعل الله، هذا من فعل الله، والذي من فعل الإنسان، وهذا من فعل الإنسان مستقلًا بها، فلهذا سموا مجوس هذه الأمة. وهؤلاء لا شك أنهم ضالون؛ لأنهم أخرجوا شيئًا في ملك الله عن ملك الله.
المذهب الثالث: أهل السنة والجماعة توسطوا بين القولين وأخذوا بالدليلين، وقالوا: إن الإنسان لا شك يفعل باختياره، ويدع باختياره، وإن له إرادة تامة وقدرة، والذي خلق هذه الإرادة والقدرة هو الله عز وجل، فلو شاء الله سبحانه وتعالى لسلبه الإرادة، ولو شاء لسلبه القدرة، ولذلك إذا سلب الله العبد الإرادة لم يترتب على فعله حكم، فالمجنون - مثلًا - لا يؤاخذ بأفعاله؛ لأنه لم يفعلها باختياره والعاجز لا يكلف {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}(١) إذًا فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإرادة والقدرة في الإنسان، قالوا: والإرادة والقدرة هما السبب في وجود الفعل، فلولا الإرادة ما فعلت، ولولا القدرة ما فعلت، فالإرادة والقدرة هما سبب وجود الفعل، وإذا كانا مخلوقين لله