للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإسناد الكتابة إلى الآمر موجود في اللغة العربية كثيرًا، يقول السيد: (كتبت كذا وكذا) والمراد كتبه عبيده، فهنا يقول الله عز وجل: {وَنَكْتُبُ} والمراد ملائكتنا؛ ودليل ذلك قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (١٢)} وقوله: {مَا قَدَّمُوْا} أي: ما قدموه في في الدنيا من أعمال صالحة؛ لأن كل إنسان يعمل عملًا صالحًا في الدنيا فإنه قد قدمه، بمنزلة السلم، والسلم في البيع أن المشتري يقدم الثمن، فأنت الآن مقدم للثمن، والمثمن يكون يوم القيامة، وقد يكون في الدنيا ويوم القيامة جميعًا، فأنت الآن إذا عملت عملًا صالحًا فقد قدمت لنفسك ثمنًا تأخذ عوضه يوم القيامة، ثق بهذا وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وقوله: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} يقول المؤلف -رحمه الله-: [نكتب في اللوح المحفوظ ما قدموا في حياتهم] هذا ما مشي عليه المؤلف أن المراد بالكتابة هنا الكتابة باللوح المحفوظ، وهذا التفسير مخالف لظاهر اللفظ؛ لأن قوله: {وَنَكْتُبُ} فعل مضارع، والمضارع لا يحمل على الماضي إلا بدليل: دليل لفظي كـ (لم) مثلًا: إذا دخلت على الفعل المضارع جعلته ماضيًا، أو دليل حالي يدل عليه السياق، وهنا لا دليل على أن المراد {وَنَكْتُبُ} في اللوح المحفوظ؛ لأن الكتابة في اللوح المحفوظ انتهت. كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)} (١) فاللوح المحفوظ انتهت كتابته، ولا يمكن أن تصاغ {وَنَكْتُبُ} بشيء


(١) سورة الأنبياء، الآية: ١٠٥.

<<  <   >  >>