للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

انتهى، ولكن المراد (نكتب) في صحائف الأعمال، والذين يكتبون الملائكة بأمر الله -عز وجل- ما قدموا في حياتهم من خير وشر ليجازوا عليه، لكن ما قدموه من خير فهو مضمون، وما قدموه من شر فليس بمضمون. لأن الخير لا يمكن أن يهدر منه شيء، والشر قد يعفو الله عنه إذا لم يكن شركًا لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (١) وهذا من مصلحة الإنسان إذا كان غير مضمون، {وَنَكْتُبُ}. الآثار جمع أثر، والأثر ما أعقب الشيء، ومنه أثر القدم بعد المشي فإنه يعقبه، فما المراد بآثارهم؟ قال المؤلف: [ما استن به بعدهم] وهذا التفسير كمثال وليس حصرًا؛ لأن الذي يكتب بالآثار أكثر مما استن به بعدهم؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (٢). فمثلًا الصدقة الجارية هذه من آثارهم، وإذا أوقف الإنسان مزرعة أو بستانًا على الفقراء وانتفعوا به بعد موته، صار هذا من الآثار بلا شك، وإن كان أصل التقديم في حياته لكن النفع صار بعد مماته، والعلم النافع من آثارهم فكل ما انتفع به بعد موته من علم فهو من آثاره. والولد الصالح أيضًا من آثاره؛ لأن الولد من كسب الإنسان، فإذا كان ولدًا صالحًا يك عو لأبيه أو أمه فهو من الآثار، وما اقتدي به الناس من الأعمال الصالحة، والأخلاق الحميدة فهو أيضًا من الآثار، فما ذكره


(١) سورة النساء، الآية: ٤٨.
(٢) رواه مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (١٦٣١).

<<  <   >  >>