مريم في يوم واحد، وكان يحفظ الصحيفة من الحاوي الصغير في ثلاث مرات يصححها ويقرؤها على نفسه ثم يقرؤها أخرى ثم يعرضها حفظاً، وكانت له طريقته الخاصة في الحفظ، حدث عنها تلامذته فهو لم يكن يحفظ بالدرس، وإنما بالتأمّل، وصرف همته نحو ما يروم حفظه، وقد وصف السّخاوي هذه الطريقة بأنها طريقة الأذكياء.
وسمع "صحيح البخاري" سنة ٧٨٥ على مسند الحجاز عفيف الدين عبد الله النشاوري، وكأنه نسي تفاصيل سماعه منه، لكنه كان يتذكر أنه لم يسمع جميع الصحيح، وإنما له فيه إجازة شاملة وقد بين ذلك ابن حجر بقوله:"والاعتماد في ذلك على الشيخ نجم الدين المرجاني فإنه أعلمني بعد دهرٍ طويل بصورة الحال فاعتمدت عليه وثوقاً به".
وقرأ بحثاً في عمدة الأحكام على الحافظ الجمال بين ظهيرة عالم الحجاز سنة ٧٨٥هـ، وكان عمره اثنتي عشرة سنة.
واجتهد في طلب العلم فاهتم بالأدب والتاريخ وهو ما يزال في المكتب فنظر في التواريخ وأيام الناس، واستقر في ذهنه شيء من أحوال الرواة، وكان ذلك بتوجيه رجل من أهل الخير سماه ابن حجر للسخاوي إلا أن السخاوي نسيه.
وسمع في فتوته من المُسنِد نجم الدين أبي محمد عبد الرحيم بن رزين بن غالب "صحيح البخاري" بقراءة الجمال بن ظهيرة سنة ست وثمانين وسبعمائة بمصر، وفاته شيء يسير، كما سمع الصحيح أيضاً من أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن المبارك الغزي وغيرهما.
وبلغ به الحرص على تحصيل العلم مبلغاً جعله يستأجر أحياناً بعض الكتب، ويطلب إعارتها له، يبرز في هذا المجال من بين شيوخه بدر الدين البشتكي الشاعر المشهور الذي أعاره جملة من الكتب منها كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني وغيره.
ويبدو من خلال الاستقراء أن فتوراً حصل في نشاطه الثقافي استمر إلى أول سنة تسعين وسبعمائة، اشتغل في هذه المدة بالتجارة فنشأ في وسط تجاري لأن جده وأعمامه كانوا تجاراً، وكان وصيه الخروبيّ رئيساً للتجار في مصر.
ولعل لموت الخرّوبي سنة ٧٨٧هـ أثراً في فتور ابن حجر واشتغاله بالتجارة حيث فقد من كان يحثه على الاشتغال بالعلم، وهو في مرحلة يحتاج فيها إلى ذلك، كما ترتب عليه أن يكفل نفسه وينهض بأعباء الحياة، وقد يتضح ذلك من قول السخاوي، ولو وجد من يعتني به في صغره لأدرك خلقاً ممن أخذ عن أصحابهم.
في سنة ٧٩٠ هـ أكمل السّابعة عشرة من عمره، وحفظ فيها القرآن الكريم وكتباً من مختصرات العلوم، وقرأ القراءات تجويداً على الشهاب أحمد الخيوطي، وسمع صحيح