كان للتدهور السياسي في مبدأ هذا القرن عامل كبير في جعل الخلافة الإسلامية دويلات متناثرة فعبد الرحمن الناصر يلقب نفسه أمير المؤمنين بالأندلس "٣٢٥هـ" والفاطميون يستقلون بشمال إفريقية، والدولة الإخشيدية بمصر، ودولة بني حمدان في الموصل وحلب والشام، والشيعة الزيدية باليمن والدولة السامانية تسيطر على المشرق وعلى بلاد ما وراء النهر والدولة البويهية تسيطر على بغداد، ولم يكن لبني العباس نصيب من هؤلاء إلا مجرد الاسم.
كانت الحياة السياسية مضطربة مائجة لكن هذه الأحداث التي غيرت خريطة الدولة الإسلامية كانت خيراً وبركة على الحركة العلمية التي انتشرت في كل مكان على يد العلماء الذين أخذوا يرحلون من قطر إلى قطر ومن مصر إلى مصر ويتلقى بعضهم عن بعض، ويعرضون الكتب والمسموعات على الشيوخ، وكان لهم نشاط علمي في نقد الرجال وتمحيص الأحاديث، ومصنفات جياد في علل الحديث وتاريخ الرواة وعلوم الحديث عامة، وبلغ التدوين في هذا الحصر أشده فظهر الحاكم أبو عبد الله النيسابوري صاحب "المستدرك"، والدارقطني إمام عصره في "الجرح والتعديل" وحسن التأليف واتساع الرواية، وابن حبان "وصحيح" ابن خزيمة الذي قرظه العلماء بقولهم: "صحيح ابن خزيمة يكتب بماء الذهب" فإنه أصح ما صنف في الصحيح المجرد بعد الشيخين: البخاري ومسلم.