للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْهُ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ


=وللمشتري الخيار مع ذلك، قياسا على بيع المصراة؛ حيث ثبت للمشتري حق فسخ البيع بالتصرية؛ ليدفع عن نفسه الغبن، بل الخيار يثبت للمشتري هنا من باب أولى؛ لأن التصرية ليست بعيب، أعني: قلة اللبن، بل من باب فوت كما مظنون، وأيضا فقد روى أبو داود بسنده إلى عائشة رضي الله عنها: أن رجلا ابتاع غلاما، فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم، ثم وجد به عيبا، فخاصمه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرده عليه، فقال الرجل: يا رسول الله، قد استغل غلامي، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الخراج بالضمان". وهو نص في المطلوب، ولأن مقتضى العقد هو السلامة، لأنها الأصل في المبيع، والعيب طارئ عليه، والعقد عند الإطلاق ينصرف إلى ما هو الأصل أو الشأن في المبيع، سيما تأيد هذا الأصل بالعرف، فالناس في بياعاتهم على أن المبيع يجب أن يكون خاليا من كل عيب ينقص القيمة، أو يحدث خللا بأوجه النفع منه، فالمشتري حين دخل في البيع دخل على هذا الأساس، فلو ألزمناه البيع مع ظهور عدم تحقيق هذا الأساس لكان إلزاما له بغير ما رضي به في حقيقة الأمر.
ويدل على أن الأصل في المبيع هو السلامة من العيوب، ما روي عن العداء بن خالد بن هوذة –وهو صحابي أسلم بعد حنين- قال: كتب لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اشترى منه عبدة أو أمة، لا داء، ولا غائلة ولا خبثة، بيع المسلم لمسلم"، والداء هو العلة. والغائلة من الاغتيال، وهو الاحتيال على العاقد من حيث لا يشعر، ليبتز منه ماله بالباطل، والخبثة من الخبث ضد الطيب، وهو الحرام: كما أن الطيب هو الحلال. دل قوله عليه الصلاة والسلام: "بيع المسلم المسلم" على أن شأن بيوع المسلمين فأخلت عن العيوب المذكورة، والمراد من قوله: لا دواء، أي: يجهله المشتري بخلاف ما لو علمه، فإنه من البيع الحلال.
ثم الخيار بين رد المبيع واسترداد الثمن إن كان قد دفعه، وبين إمساكه بدون أرش العيب، وهذا عند الشافعية، والحنفية، والظاهرية، والمالكية، إلا أنه عند الآخرين إذا كان العيب يسيرا لا ينقص من الثمن، إلا قليلا، وكان في الدور والعقار، فليس للمشتري في هذه الحالة إلا حق المطالبة بأرش العيب، مع إمساك المبيع، لأن موضوع العقد مما يراد للقنية في العادة فلا يفسخ العقد فيه من أجل هذا النقص اليسير.
وعند الحنابلة مخير بين هذين، وبين إمساكه مع أرش العيب أيضا.
وهذا كله إذا لم يتعذر الرد، فإما إن تعذر فله أخذ الأرش باتفاق، تعويضا عما فوته عليه العيب من حقه في سلامة المبيع.
وجه مذهب الجمهور: هو قياس العيب على التصرية، فكما أنه ليس للمشتري في المصراء إلا الإمساك بالثمن، أو الرد فكذلك ليس له في العيب إلا الخيرة بين هذين، وأيضا البائع لم يرض بخروج المبيع عن ملكه إلا بالثمن الذي أخذه فيه، فلو أجيز للمشتري الإمساك مع المطالبة بالأرش لنقص الثمن عما رضيه البائع. ومع ذلك، فضرر المشتري يزول بالرد، فلا يمكن من الإمساك مع الأرش؛ لأن فيه إضرارا بالبائع، وقد أمكن رفع الضرر عنه، بدون ما إضرار بالبائع، فلا يصار إلى الحالة الضارة مع إمكان غيرها، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "لا ضرر ولا ضرار". ولأن بظهور العيب يتبين أن رضا المشتري بالبيع لم يكن قائما على أساس صحيح، فيمكن من الرضا من جديد بإعطائه الخيار في البيع، والنتيجة المنطقية لهذا أن يمسك بالثمن المتفق عليه، أو يرد المبيع إن شاء كحاله في ابتداء البيع، ولأن العيب فوت وصفا هو السلامة، والأوصاف كما يقول الحنفية لا يقابلها شيء من الثمن، لكونها لم تقصد إلا تبيانا لقصد العين، فلا تزاحمها في تقسيط الثمن.==

<<  <  ج: ص:  >  >>