للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُهُ السُّنَّةُ الظَّاهِرَةُ وَرَدَتْ فِي الْمُسَاقَاةِ سَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا.


=واستدل الفقهاء على مشروعية القراض، بالكتاب والسنة وعمل الصحابة والقياس.
أما الكتاب فقوله تعالى: {وأحل الله البيع} البقرة ٢٧٥، ووجه دلالته أن البيع الحلال في الآية يشمل بيع المنافع، والذوات، فيكون بيع المنافع مشروعا، وإذا كان بيع المنافع مشروعا، كان القراض مشروعا، لأنه بيع منافع بجزء من الربح ففيه معاوضة من الطرفين.
أما السنة: فتقرير الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك أن القراض مما كان في الجاهلية، ولم ينكره الرسول عليه الصلاة والسلام مع علمه به، وقدرته على الإنكار ووجه دلالته، أن القراض لو لم يكن جائزا لما سكت الرسول عليه الصلاة والسلام عن إنكاره، لأن سكوته عليه الصلاة والسلام دليل رضاه وهو عليه الصلاة والسلام لا يرضى بغير المشروع فدل ذلك على جواز القراض والإذن فيه.
وأما عمل الصحابة: ففي الموطأ أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر رضي الله عنهما خرجا في جيش للعراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري، وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهل، ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به. ثم قال: بلى ها هنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكما فتبتاعان به متاعا من متاع العراق تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون لكما الربح، فقالا: وددنا ففعل وكتب إلى عمر رضي الله عنه أن يأخذ منهما المال. فلما قدما باعا فأربحا فلما دفعا ذلك إلى عمر رضي الله عنه.
قال عمر: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا فقال عمر: أما لأبناء أمير المؤمنين فأسلفكما، أديا المال وربحه‍ فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا، لو نقص المال أو هلك لضمناه. فقال عمر: أدياه، فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر يا أمير المؤمنين، لو جعلته قراضا، فقال عمر: قد جعلته قراضا، فأخذ عمر المال ونصف الربح. ويقال الرجل: عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
ووجه دلالة هذا العمل على مشروعية القراض، أنه لو لم يكن مشروعا لما قال عبد الرحمن بن عوف: لو جعلته قراضا، ولما جعله عمر رضي الله عنه قراضا؛ لأن العمل بغير المشروع منهي عنه على أي وجه كان، وعمر لا يجرؤ على أمر منهي عنه، فدل على مشروعية القراض والإذن فيه.
ومن الموطأ أيضا: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دفع قراضا على أن الربح بينهما، فلو لم يكن القراض مشروعا ما تعامل به عثمان رضي الله عنه، فدل وقوعه منه على جوازه.
وأما القياس: فقد قاسه الفقهاء على المساقاة بجامع حاجة الناس إلى تنمية أموالهم، فالأصل في هذا القياس المساقاة، والفرع القراض والعلة حاجة الناس إلى تنمية أموالهم، والحكم الجواز، وحيث وجدت العلة في الفرع التي من أجلها شرع الحكم في الأصل كان الفرع نظيره في الحكم. فدل ذلك على مشروعيةالقراض.
ينظر: القراض لشيخنا محمد محمد عرادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>