للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ


=ثم الظاهر مذهب الجمهور القائل بأن النكاح حقيقة في العقد، مجاز في الوطء، وذلك أولا: لكثرة استعمال لفظ النكاح بإزاء العقد في الكتاب والسنة، حتى قيل: إنه لم يرد في القرآن إلا في للعقد، ولا يرد قول الله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} البقرة ٢٣٠، لأن شرط الوطء في التحليل إنما ثبت بالسنة.
وذلك الحديث المتفق عليه في قصة امرأة رفاعة لما بت طلاقها، وتزوجها عبد الرحمن بن الزبير، فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك" فيكون معنى قوله تعالى: {حتى تنكح} حتى تتزوج.
ثانيا: أنه يصح نفي النكاح عن الوطء، فيقال: هذا الوطء ليس نكاحا، ولو كان النكاح حقيقة في الوطء لما صح نفيه عنه.
وتظهر ثمرة الخلاف بين الحنفية والجمهور في حرمة موطوءة الأب من الزنا، فلما كان النكاح عند الحنفية حقيقة في الوطء الشامل للوطء الحلال والحرام، قالوا: بحرمة موطوءة الأب من الزنا، ولما كان عند الجمهور حقيقة في العقد قالوا: لا تحرم موطوءة الأب من الزنا.
عرفه الشافعية بقولهم: عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ الإنكاح والتزويج، وما اشتق منهما – فقولهم: عقد: جنس في التعريف، وقولهم: يتضمن إباحة وطء خرج به ما لا يتضمن إباحة الوطء كالإجارة وغيرها، وقولهم: بلفظ الإنكاح والتزويج خرج به ما لم يكن بهذا اللفظ كالهبة والتمليك.
وعرفه العلامة الدردير رحمه الله في أقرب المسالك حيث قال: هو عقد لحل تمتع بأنثى غير محرم ومجوسية وأمة كتابية بصيغة.
فالعقد مصدر: عقد، أي: تمسك وتوثق، والمراد هنا ارتباط كلام الزوج بكلام ولي الزوجة، على وجه يسمى باعتباره عقدا شرعيا يستعقب أحكامه.
وقوله: عقد جنس في التعريف يشمل النكاح وغيره من العقود.
وقوله: لحل تمتع الخ. علة باعثة على العقد، وهو فصل مخرج لكل عقد ليس لذلك، ومنه شراء الأمة للتلذذ بها؛ إذ ليس الأصل فيه حل التمتع بخصوصه بل الانتفاع العام وملك الرقبة.
وخرج بقوله: غير محرم ومجوسية وأمة كتابية، المحرم بنسب أو رضاع أو صهر، والمجوسيات والإيماء الكتابيات، فلا يصح العقد على واحدة منهن، ولا يقال: إن هذا التعريف غير مانع؛ لأنه يدخل فيه الملاعنة والمبتوتة، والمعتدة من الغير والمحرمة بحج أو عمرة؛ لأنه قصد بما ذكره إخراج من قام به مانع أصلي، وأما الملاعنة، وما عطف عليها فمانعهن عرضي طارئ بعد الحل بخلاف المحرم والمجوسية والأمة الكتابية، فإن مانعهن ذاتي لا عرضي. وقوله: الصيغة متعلق بعقد، وهو من تمام التعريف؛ لأن الصيغة أحد أركان النكاح وقد عرفه الكمال بن الهمام بن الحنفية بقوله: عقد وضع لتملك المتعة بالأنثى قصدا، فقوله: عقد جنس في التعريف بمثل سائر العقود.
وقوله: وضع لتملك المتعة بالأنثى يخرج به العقد على المنافع كما في البيع والهبة، لأن المقصود فيهما ملك الرقبة، ويدخل ملك المتعة فيهما ضمنا إذا لم يوجد ما يمنعه.
عرفه الحنفية بأنه: عقد يفيد ملك المتعة قصدا.
عرفه الحنابلة بأنه: عقد التزويج، فهو حقيقة في العقد، مجاز في الوطء على الصحيح.==

<<  <  ج: ص:  >  >>