وقل من جرح في القرن الأول لأن الصحابة كلهم عدول، ولا يكاد يوجد في هذا القرن من الضعفاء إلا القليل.
أما القرن الثاني ففي أوساط التابعين وخيارهم وضعف جماعة منهم من قبل تحملهم وضبطهم للحديث وكانوا يرسلون كثيراً ويرفعون الموقوف مما أوقعهم في أغلاط، وقد انتدب في ذلك الزمان لنقد الرجال الحافظان: يحيى بن سعيد القطان "١٨٩ هـ" وعبد الرحمن بن مهدي، وكانا محل ثقة من الناس فمن وثقاه صار موثوقاً عندهم ومن جرحاه صار مجروحاً. ومن اختلفا فيه- وهو قليل- رجع الناس فيه إلى ما ترجح عندهم ثم ظهرت طبقة أخرى يرجع إليهم من هذا الفن منهم يزيد بن هارون "٢٠٦ هـ" وأبو داود الطيالسي "٢٠٤ هـ" وعبد الرزاق بن همام "٢١١ هـ" وأبو عاصم النبيل بن مخلد "٢١٢هـ".
ثم صنفت الكتب في "الجرح والتعديل" و"العلل"، وبينت فيها أحوال الرجال وكان أقطاب الجرح والتعديل آنئذ جماعة منهم: يحيى بن معين "٢٣٣ هـ" من طبقة أحمد بن حنبل "٢٤١ هـ"، وكاتب الواقدي محمد بن سعد وأبو خيثمة زهير بن حرب "٢٣٤ هـ" وأبو جعفر النبيل وعلي بن المديني "٢٣٤ هـ" وابن نمير "٢٣٤ هـ" وأبو بكر بن أبي شيبة صاحب المصنف والمعروف "٢٣٥ هـ" وكل هؤلاء من أئمة الجرح والتعديل وقد وضعوا في ذلك المؤلفات، فمنهم من تكلم عن الضعفاء من الرواة وآخرون اقتصروا على الثقات وبعضهم جمع بين النوعين.
وممن تفرد بالكتابة عن الثقات أبو حاتم بن حبان الذي قال في صفة العدل من الرجال:"العدل من لم يعرف منه الجرح إذ الجرح ضد العدالة فمن لم يعرف بجرح فهو عدل" اهـ.
أما عن كتب الضعفاء فقد صنف فيها كثير من الحفاظ ككتاب الضعفاء لإمام المحدثين أبي عبد اللَّه البخاري، وكتاب الضعفاء والمتروكين للنسائي، وكتاب الضعفاء لصاحب كتاب الثقات أبي حاتم البستي، وكتاب الضعفاء للدار قطني.
ومن الكتب المهمة في ذلك الكتاب المسمى بـ"الكامل" لأبي أحمد عبد الله بن محمد ابن عدي بن عبد الله بن محمد بن المبارك الجرجاني الحافظ الكبير أحد الجهابذة المرجوع إليهم في العلل والرجال ومعرفة الضعفاء المتوفي سنّة "٣٦٥ هـ" وهو كتاب جامع، وسفر وافٍ حيث ذكر فيه المصنف كل من تكلم فيه وإن كان من رجال "الصحيحين"، وتفرد عن كتب الضعفاء بذكر حديث أو أكثر من الغرائب والمناكير عند ترجمة كل راوٍ مسته يد الجرح أو أشهر في وجهه سيف الذب عن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذب أو افتراء أو وضع أو نسيان من