للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واستقرت، فإذا أراد رافع رفعها بالجرح قيل له: ائت ببرهان على هذا أو فيمن لم يعرف حاله، ولكن ابتدره جارحان ومزكيان؛ فيقال إذ ذاك للجارحين: فسرا ما رميتماه به، أما من ثبت أنه مجروح فيقبل قول من أطلق جرحه لجريانه على الأصل المقرر عندنا، ولا نطالبه بالتفسير إذ لا حاجة إلى طلبه.

والفائدة الثانية: أنا لا نطلب التفسير من كل أحد، بل إنما نطلبه حيث يحتمل الحال شكاً إما لاختلاف في الاجتهاد أو لتهمة يسيرة في الجارح أو نحو ذلك مما لا يوجب سقوط قول الجارح، ولا ينتهي إلى الاعتبار به على الإطلاق، بل يكون بين بين، أما إذا انتفت الظنون، واندفعت التهم، وكان الجارح حبراً من أحبار الأمة مبرءاً عن مظان التهمة، أو كان المجروح مشهوراً بالضعف، متروكاً بين النقاد، فلا نتلعثم عند جرحه، ولا نحوج الجارح إلى تفسير، بل طلب التفسير منه- والحالة هذه- طلب لغيبة لا حاجة إليها.

وعلى سبيل المثال لا الحصر نحن نقبل قول ابن معين في إبراهيم بن شعيب المدني: إنه ليس بشيء، وفي إبراهيم بن يزيد المدني: إنه ضعيف، وفى الحسين بن الفرج الخياط: إنه كذاب يسرق الحديث، وعلى هذا- وإن لم يبين الجرح- لأنه إمام مقدم في هذه الصناعة١ جرح طائفة غير ثابتي العدالة والثبت، ولا نقبل قوله في الشافعي ولو فسر وأتى بألف إيضاح لقيام الدليل القاطع والبرهان الساطع على أنه غير محق بالنسبة إليه.

ولا يفوتني قبل إنهاء هذه القاعدة أن أنبهك أيها القارىء الواعي والخبير بهذه الصناعة أن تسلك سبيل الأدب مع الأئمة الماضين، وأن لا تنظر إلى كلامهم بعضهم في بعض فإن قدرت على التأويل القائم على حسن الظن فدونك وإلا فغض الطرف، واضرب صفحاً عما شجر بينهم، فإنك إذا اشتغلت بذلك خشيت عليك الهلاك فالقوم أئمة أعلام، ولأقوالهم محامل وليس لي ولك إلا الترضي عنهم، والسكوت عما جرى بينهم كما يفعل فيما جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.


١ تاج الدين السبكي: قاعدة في الجرح والتعديل ص٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>