(قال أبو حنيفة: لو تزوجها على خمر بغير عينها أو خنزير بغير عينه، ثم أسلما: فلها في الخنزير مهر المثل، وفي الخمر القيمة).
وذلك لأن الثابت كان في ذمته إلى وقت الإسلام هو الخمر، وقد تعذر تسليمها بعد الإسلام؛ لأن المسلم لا يجوز له تمليك الخمر، فصار بمنزلة من غصب شيئا له مثل، نحو الرطب والعنب، فاستهلكه، ثم انقطع من أيدي الناس: أنه يغرم قيمته يوم الخصومة على أصله، وكذلك عنده أن الخمر كانت في الذمة إلى أن أسلم، فتعذر تسليمها، فنقلناها إلى القيمة.
وأما الخنزير، فكان القياس فيه ذلك، إلا أنه ترك القياس، وجعل فيه مهر المثل، وذلك لأن ثبوت الخنزير في الذمة، ليس هو ثبوتا صحيحا، ألا ترى أنه لو جاء بالقيمة بدءا: قبلت منه، ولم يجبر على تسليم الخنزير، كمن تزوج منا امرأة على شاة بغير عينها، فله أن يعطيها القيمة، فلما لم يكن ثبوت الخنزير في الذمة ثبوتا صحيحا، ثم طرأ الإسلام، فأسقط التسمية: عاد إلى مهر المثل.
وأيضا: فلو أوجبنا القيمة، لأوجبناها بالعقد، والعقد يوجب مهر المثل، ما لم يكن فيه تسمية صحيحة، فإذا اجتمع في العقد قيمة الخنزير، ومهر المثل، كان مهر المثل أولى بالثبات، إذ كان مهر المثل دينا صحيحا، وقيمة الخنزير ليست بدين صحيح، ألا ترى أن له أن يعدل عن الخنزير إلى القيمة، فكان ثبوت مهر المثل أولى، وبالله التوفيق.