فأوجب في العمد القود، لا غير، ولعن من منع منه، فانتقى به الخيار في أخذ الدية من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن في إثبات الخيار زيادة في النص، ولا يجوز ذلك عندنا إلا مثل ما يجوز به النسخ.
والثاني: أن في الأصول: أن كل من ثبت له حق على غيره، فليس له نقله إلى البدل إلا بتراضيهما، ألا ترى أن من كان له على آخر دراهم، فليس له نقلها إلى الدنانير إلا برضاه، وكذلك سائر الحقوق لا تنتقل إلى الأبدال إلا بالرضا.
والثالث: أن قوله: "من قتل عمدا فقود به": يقتضي وجوب القود أبدًا، إلا حال يقوم الدليل على جواز إسقاطه.
فإن قال قائل: قوله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} بعد قوله: {كتب عليكم القصاص في القتلى}: يدل على أن للولي أخذ الدية بغير رضا القاتل؛ لأنه قد أوجب المال بعد العفو عن القصاص، وألزم الآخر الأداء إليه بإحسان، وقد أثبت المال مع القصاص على وجه التخيير.