إقرار السارق مرتين، وإنما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد عليه القول مرتين أو ثلاثًا، وليس يمتنع أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعاد عليه القول مرتين أو ثلاثًا قبل أن يقر، ثم أقر.
فإن قيل: فقد قال: اعترف اعترافًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما إخالك سرقت"، فأعاد مرتين أو ثلاثًا.
قيل له: يحتمل أن يريد به اعترف بعد ما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مرتين أو ثلاثًا.
وأيضًا: لو ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد ذلك عليه بعد الإقرار الأول، لم يكن فيه دلالة على أن الإقرار الأول لم يتعلق به وجوب القطع، إذ ليس يمتنع أن يكون حد القطع وجب، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوصل إلى إسقاطه بتلقينه الرجوع عنه.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ينبغي لولي أمر أن يؤتي بحد إلا أقامه"، فلو كان القطع واجبًا بإقراره بدءًا، لما اشتغل عليه الصلاة والسلام بتلقينه الرجوع عنه، ولسارع إلى إقامته.
قيل له: ليس وجوب القطع مانعًا من استثبات الإمام في أمره، ولا موجبًا عليه قطعه في الحال؛ لأن ماعزًا قد أقر عند النبي صلى الله عليه وسلم بالزنى أربع مرات، فلم يرجمه حتى اصتثبته، وقال:"لعلك لمست، أو قبلت"، وقال لأهله:"ابه جنة"، ولم يدل ذلك على أن الرجم لم يكن قد وجب بالإقرار أربع مرات.