ولا يعترض حكم هذا الخبر على ما رويناه من خبر أبي هريرة؛ لأن فيه أمرًا بقطعه حين أقر مرة واحدة، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقدم على إقامة حد لم يجب بعد، وليس يمتنع أن يؤخر إقامة حد قد وجب، للاستثبات والأخذ بالثقة.
ويدل على صحة ما ذكرنا: ما روى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن ثعلبة الأنصاري عن أبيه "أن عمرو بن سمرة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني سرقت جملاً لبني فلان، فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنا فقدنا جملاً لنا، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت يده".
ففي هذا الخبر أيضًا أنه قطعه بإقراره مرة واحدة.
* ووجهه من طريق النظر: أن السرقة المقر بها لا تخلو من أن تكون عينًا أو غير عين، فإن كانت عينًا، ولم يجب القطع بالإقرار الأول، فقد وجب ضمانها لا محالة، من قبل أن صحة الملك للآدمي تثبت بالإقرار الأول، ولا تتوقف على الإقرار الثاني، وإذا ثبت له الملك، ولم يثبت القطع، صارت مضمونه عليه، وحصول الضمان ينفي القطع.
وإن كانت السرقة المقر بها ليست بعين، فقد صارت دينًا بالإقرار الأول، وحصولها في ذمته، ينفي القطع على ما وصفنا.
فإن قيل: إذا جاز أن يكون حكم تناوله على وجه السرقة بدءًا موقوفًا غير موجب للضمان إلا على شريطة نفي القطع، فهلا جعلت حكم إقراره موقوفًا في تعلق الضمان به على سقوط القطع أو وجوبه.