فإن قيل: لما كان القليل من النجاسة لا يمنع الصلاة في الثوب، كذلك الماء الذي تحله.
قيل له: إن الصلاة جائزة في الثوب مع وجود أثر النجاسة فيه، ولا يجوز استعمال الماء مع ظهور أثر النجاسة فيه، فعلمنا أن حكم النجاسة في الماء أغلظ منها في الثوب.
فإن قال قائل: قد نقلت الأمة خلفا عن سلف إزالة الأنجاس من الأبدان والثياب باليسير من الماء، فلو كان حلول يسير النجاسة في الماء ينجس الماء، لما طهر بدن ولا ثوب أبدًا؛ لأن كل ما خالطه فهو ينجس أولًا، ثم يزول وهو نجس، فدل ذلك على أن المراعاة في باب التنجيس ظهور النجاسة، وأن الماء متى كان غامرًا لها يسقط حكمها.
قيل له: إن تطهير الثوب من النجاسة إنما يكون بإزالة عين النجاسة متى كان هناك عين قائمة، فالماء غير مطهر له، فإذا زالت العين لم يبق هنا إلا ما قد جاور ما كان نجسًا بملاقاته النجاسة، وقد بينا أن ما نجس من جهة المجاورة: لا ينجس ما جاوره، فلا يلزم على ذلك الحكم بتنجيس المياه على ما ألزمنا السائل.
وقد روي عن جماعة من الصدر الأول الحكم بتنجيس الماء بحلول النجاسة فيه وإن لم تظهر فيه.
من ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما حين أمر بنزح زمزم لموت الزنجي فيه، وعن ابن الزبير مثله.