للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الأنفال: ٥٥]، وقال: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ} [الأنفال: ٢٢]، وقال سبحانه وتعالى: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} [ص: ٥٥]، وقال بعد ذلك في الحكاية عن أهل النار: {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ} [ص: ٦٢].

وهذه الآيات دالة على ما قررناه، من أن الشرّ وصفُ ذمٍّ، والمكروه لا ذمّ فيه.

وأما التوعد بالعقاب على المكروه، فهو خلاف الإجماع.

وأما أنه يُوزَن، فممنوع، فإنه إنما يُوزَن السيئات، وفي (حديث البطاقة) (١)


= بقول الآمدي في الإحكام ١: ١٦٦: (المكروه في اللغة مأخوذ من الكريهة ... ؛ وأما في الشرع فقد يطلق ويراد به: (الحرام)، وقد يراد به: (ترك ما مصلحته راجحة وإن لم يكن منهيًا عنه كترك المندوبات)، وقد يراد به: (ما نُهي عنه نَهْيَ تنزيهٍ لا تحريمٍ كالصلاة في الأوقات والأماكن المخصوصة)، وقد يراد به: (ما في القلب منه حزازة وإن كان غالبُ الظن حِلَّه كأكل لحم الضبع". قال الآمدي: (وعلى هذا، فمن نظر إلى الاعتبار الأول: حَدّه بحدّ الحرام ... ومن نظر إلى الاعتبار الثاني: حَدّه بترك الأولى. ومن نظر إلى الاعتبار الثالث: حَدّه بالمنهي الذي لا ذمَّ على فعله. ومن نظر إلى الاعتبار الرابع: حَدّه بأنه الذي فيه شبهةٌ وترددٌ).
ويقول الشاطبي في الاعتصام ٢: ٥٠ (وإذا تأملنا المكروه -حسبما قرره الأصوليون- وجدناه ذا طرفين: طرف من حيث هو منهي عنه، فيستوى مع المحرَّم في مطلق النهي، فربما يُتوهم أن مخالفة (نَهْي الكراهية) معصيةٌ من حيث اشترك مع (المحرَّم) في مطلق المخالفة؛ غير أنه يَصُدّ عن هذا الإطلاق: الطرفُ الآخر وهو أن يُعتبر من حيث لا يترتب على فاعله ذم شرعي ولا إثم ولا عقاب، فخالف المحرَّم من هذا الوجه، وشارك المباح فيه، لأن المباح لا ذمَّ على فاعله ولا إثم ولا عقاب).
(١) هو حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله سيُخلِّص رجلًا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشُرُ عليه تسعة وتسعين سجلًّا، كلُّ سجلّ مثلُ مدّ البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ أَظَلَمك كَتَبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا ربِّ، فيقول: أفلك عذر؟ قال: لا يا ربِّ، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنةً! فإنه لا ظلمَ عليك اليوم. فتخرج بطاقةٌ، فيها: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده =

<<  <   >  >>