(ثم انقرض فقه أهل السنة والجماعة من مصر بظهور دولة الرافضة، وتداول بها فقه أهل البيت ... ، إلى أن ذهبت دولة العبيديين من الرافضة ... ، فذهب منها فقه أهل البيت، وعاد فقه الجماعة إلى الظهور بينهم، ورجع إليهم فقهُ الشافعي ... فعاد إلى أحسن ما كان، ونَفَقَتْ سوقه ... ، إلى أن انتهى ذلك إلى شيخ الإسلام بمصر لهذا العهد، وهو سراج الدين البلقيني؛ فهو اليوم كبير الشافعية بمصر، لا، بل كبيرُ العلماء من أهل العصر)(١).
وبهذا يكتسب هذا الكتاب أهمية بالغة؛ إذ هذه المزية المشار إليها في حد ذاتها، كَسَتْه حُلّةَ عزٍّ، وتَوَّجَتْه وسامَ شرفٍ، بغضّ النظر عن فحوى التعليقات وأهميتها العلمية.
وقبل أن أنوِّه بما يتصل بـ (قواعد الأحكام) للإمام العز، وفوائد الإمام البلقيني، أود الإشارة إلى أن صلتي بهذا الكتاب (الفوائد الجسام للبلقيني) تعود إلى أبعد من ربع قرن، وذلك حين زيارتي المكتبة السليمانية بإصطنبول، فوقفتُ هناك على هذا الكتاب (الفوائد الجسام)، وتصفحتُه حينئذ تصفحًا عابرًا، وبقي في نفسي لهفٌ لمزيد من الغوص فيه، ثم مع تمادي الزمن أصبح التفكير فيه نسيًا منسيًا.
ولكن قَدَّر اللهُ عزَّ وجلَّ أن ألتقي بالأخ الكريم الشيخ منصور العتيقي بالكويت، وذلك قبل سنوات، بمناسبة حضوري دورة مجمع الفقه الإسلامي الدولي، فإذا هو يزوّدني بنسخة مصورة من الكتاب مع رجاء وحفز إلى تحقيقه، وكان بي حَفِيًّا؛ ثم بفضل الله تعالى تحقق أخيرًا ما كنا نطمح ونصبو إليه على يد أخينا الدكتور الشيخ يحيى بلال، فهذا الكتاب المطبوع المحقق ثمرةُ جهده.
(١) مقدمة ابن خلدون، اعتناء ودراسة: أحمد الزعبي، ص ٤٨٧، دار الأرقم، بيروت.